يرفض جهازِي الاعتراف بنفتالي بينيت، حتى بتُّ أعتقد أنه غير موجود. والسبب يعود إلى أني كلما كتبت اسمه تظهر لي علامة حمراء تقول لي إن هناك خطأ في الكلمة.

لم أعرف إلا متأخرا سبب استخفاف بنيامين نتنياهو به. كنت أعتقد أن المسألة مسألة تنافس شخصي قبل أن تؤكد لي مقابلته مع صحيفة “صنداي تايمز” أنه سطحي، لا أكثر ولا أقل، وأن تجربته في السياسة ليست أكثر من تجربة الغراب الذي أراد أن يُقلد مشية الحمامة ففشل، كما فشل في أن يعود إلى مشيته الأصلية.

وبينيت يرأس حكومة يمشي نحو نصف أعضائها مشية الحمامة، ونصفها الآخر مشية الصقر، فلا مشى ولا طار.

ويحاول بينيت أن يجد له عدوا سهلا يتمرجل عليه، لأنه إذا تمرجل على الفلسطينيين جاءته اللطمات والإدانات والاحتجاجات من كل مكان. بينما أثبتت له التجربة أنه يستطيع أن يوجه لدغات لإيران ولا يلقى السخرية من أي أحد، إلا إذا قال إن حكومته تعد خططا لمهاجمة إيران. لأن هذه الكذبة باتت سمجة من كثرة التكرار، ولأن هناك خططا أعدتها عشر حكومات إسرائيلية سابقة لضرب البرنامج النووي الإيراني ولم يتحقق منها شيء حتى باتت إيران قاب قوسين أو أدنى من بناء قنبلة نووية.

وأحد أهم دواعي السخرية هو أن توجيه ضربات لإيران غير ممكن إلا بموافقة واشنطن، لاسيما وأن إسرائيل لا تستطيع أن تحمي نفسها من دون غطاء أميركي. كما أن قرارها العسكري نفسه منوط بعلم واشنطن المسبق.

ولولا ما يفرضه منصبه الآن، فإنه يصلح أكثر ليكون “بوْز مهانة” (باللهجة العراقية)، وهي الوظيفة التي عيّنه فيها نتنياهو قبل أن يتكابر على صاحبه ويعلن تشكيل دكان سياسي خاص به. وهناك يهود عراقيون كثر في إسرائيل يستطيعون أن يشرحوا له ماذا يعني أن يكون المرء “بوْز مهانة”.

والحكاية هي أن نفتالي هذا يقول إنه يريد أن يخوض “حربا باردة” ضد إيران تشبه “حرب النجوم” التي شنها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان ضد الاتحاد السوفييتي السابق وأدت إلى انهياره.

ريغان بدأ في خوض “حرب النجوم” في مارس 1983، وكانت باسم “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”. وحيث أن نفتالي ولد في مارس 1972، فإن المرء يستطيع أن يراهن أنه عندما سمع بـ”حرب النجوم” أول مرة وهو بعمر 11 سنة، كان مولعا بمشاهدة أفلام كارتون “غريندايزر”، فغلب عليه الظن أن هذه تشبه تلك.

عندما أرادت الولايات المتحدة أن تشن حربا ضد العراق في العام 1991، فقد منع العقلاء في واشنطن إسرائيل من المشاركة فيها، بالرغم من الصواريخ العراقية التي نزلت عليها، لأن شركات الأدوية الأميركية لم تكن تملك كميات من مضادات الغثيان تكفي للعالم العربي كله

وحتى الآن أعتقد جازما أن نفتالي لم يعرف ما هي حرب النجوم أصلا. ولو كان يعرف لما طرح المقارنة بها، لأنه سرعان ما سوف يدرك أن إسرائيل لا تملك القدرات العسكرية ولا التكنولوجية ولا المالية لشن أي شيء شبيه بها. وهي لم تتحقق لأن الولايات المتحدة نفسها كانت غير قادرة عليها أيضا، لتنتهي إلى أنها مجرد مشروع خرافي.

والرجل مثير للشفقة، لأنه عندما يعتزم أن يشن “حربا باردة” ضد إيران فإنه لا يعلم أن إسرائيل هي آخر من يجدر به القيام بها، أو حتى المشاركة فيها، لأنها سوف تعزز مواقع إيران بدلا من أن تؤدي إلى إضعافها. فإسرائيل دولة احتلال في النهاية، وهي حالة من حالات الخزي الأخلاقي والسياسي التي ما يزال يتعين على العالم العربي أن يتعايش معها مع أدوية لمنع الغثيان.

وعندما أرادت الولايات المتحدة أن تشن حربا ضد العراق في العام 1991، فقد منع العقلاء في واشنطن إسرائيل من المشاركة فيها، بالرغم من الصواريخ العراقية التي نزلت عليها، لأن شركات الأدوية الأميركية لم تكن تملك كميات من مضادات الغثيان تكفي للعالم العربي كله.

أما عندما خاضت الدول الغربية “الحرب الباردة” ضد الاتحاد السوفييتي، فإنها كانت تقدم مثالا للحريات الفردية والديمقراطية ودولة القانون. ولا أدري ما هو النموذج الذي يمكن أن يقدمه نفتالي وإسرائيل لإيران أو للمنطقة، وهي دولة قائمة على الاحتلال وسرقة الأرض والتعسف والتمييز العنصري وجرائم القتل اليومية للفلسطينيين والاعتقالات العشوائية وأحكام المؤبد التي تبلغ 6 آلاف في العام أحيانا.

بمعنى آخر، إسرائيل كيان يثير مشاعر العار في المجتمع البشري إلى درجة أن هناك الكثير من الإسرائيليين يشعرون بالخجل منها، ويتناولون أدوية مضادة للاكتئاب لمجرد أنهم مضطرون أن يبدأوا يومهم بسماع نفتالِيِّين من هذا الطراز يُطلّون عليهم مع كل نشرة أخبار. وهناك نصف مليون إسرائيلي يحملون جوازات سفر أوروبية، ونصف مليون آخرون يحملون جوازات أميركية، ونحو 200 ألف يحملون جوازات سفر متنوعة أخرى، ويسعى نحو مليوني إسرائيلي آخر للحصول على حق الإقامة الدائمة في أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا أو أي مكان بسبب مشاعر القرف التي يعانون منها في بلد لا يمارس إلا الانتهاكات وأعمال القتل ضد الآخرين.

هذا الواقع يجعل من الشرف لكل إنسان أو دولة أو مجتمع أن تخوض إسرائيل ضده حربا باردة أو ساخنة، أو مقلية مع البيض.

ونحن نعرف أن إيران لا تستحق هذا الشرف، لأنها مثل إسرائيل ترتكب جرائم مماثلة، وأحيانا أسوأ منها. ولكن نفتالي كخبير في “الحرب الباردة” يريد أن يمنحها شرفا من دون أن تدفع في مقابله أي شيء.

وللسطحية حدود، إلا أن سطحية نفتالي بلا حدود، ذلك أنه في مقابلته مع تلك الصحيفة ندد بإيران “لأنها تقتل الشواذ”، وذلك على أساس أن القلنسوة التي يضعها على رأسه تسمح بالشذوذ الجنسي.

ولا أدري بأي معنى يريد هذا النفتالي أن يُسوّق هذه الفكرة على المجتمع الإيراني بوصفها نموذجا، فينقلب على حكومته ويقف في صف إسرائيل وحربها الباردة.

ولقد يصادف المرء في حياته إسرائيليين معقولين، أو يمكن النظر إليهم من دون أن يشعر أن الطقس كان سيئا إلى درجة أنه يتمنى لو لم يخرج من المنزل في ذلك اليوم.

ولهؤلاء أقول: رجاء أعيدوا لنا نتنياهو. فلقد كان عدوا عاقلا على الأقل، بالنسبة إلينا، وزعيما ملائما تماما لكل تطلعات اليمين الصهيوني، بالنسبة إليكم، بدلا من هذا الأحمق الذي لا يعرف يمينه من قفاه.