في المملكة اليوم كثير من المتاحف التي يملكها القطاع الخاص، أو التي أسستها الحكومة ممثلة في وزارة الثقافة وفق خططها المتنوعة. واهتمت منذ بداية تأسيسها بإنشاء المتاحف، نظرا إلى ما تمتلكه من مخزون تاريخي هائل ومنوع من الآثار والتراث الذي يعكس ما تتميز به من ثراء تاريخي عبر الحضارات المتعددة التي شهدتها أرضها. وتزخر مناطق المملكة بعدد كبير من المتاحف التي تشمل قطعا أثرية لتاريخ هذه المناطق وسجلا حيا لتراثها.
وللاستثمار في هذا الجانب، فقد تم افتتاح المتحف الوطني كأول متحف رسمي في الرياض في 21 محرم 1398هـ "الموافق ديسمبر 1977". وكان مقره في إدارة المتاحف قبل أن ينتقل عام 1418هـ إلى مقره الرئيس في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي في الرياض.
وتمتلك السعودية ثروة غالية في قطاع المتاحف، فيبلغ عدد المتاحف الحكومية حاليا نحو 53 متحفا، فيما تبلغ المتاحف الخاصة نحو 162 متحفا، وذلك على النحو التالي: المتاحف التابعة لقطاع التراث الوطني 23 متحفا: يعد قطاع المتاحف من أهم قطاعات التراث، حيث خصص لكل منطقة متحف إقليمي يعرض أبرز قطعها الأثرية والتراثية. وشهدت المتاحف خلال الأعوام الأخيرة مشاريع للتطوير ضمن برنامج خادم الحرمين لشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، وإحدى مبادرات التحول الوطني، والذي خصص له مسارا لمشاريع المتاحف المطورة والجديدة. كما هناك متحف الآثار والتراث في المجمعة، ومتحف الآثار والتراث في الأحساء، والآثار والتراث في النماص، والآثار والتراث في جازان، وسكة الحديد في تبوك، وقلعة تبوك. متاحف جار تنفيذ مشاريع لتطويرها: قصر شبرا التاريخي في الطائف، والآثار والتراث في منطقة جازان "مدينة صبيا"، وتيماء، وبيشة. المتاحف الجديدة "تم إنشاؤها وجاهزة للافتتاح": متحف عسير، وحائل، والجوف، وتبوك، ونجران. وهناك المتاحف الجديدة "تحت الإنشاء": المشاريع إنشاء المباني الجديدة لهذه المتاحف، إضافة إلى تصميم وتجهيز العروض المتحفية وفق أحدث التصاميم العالمية، والإمكانات الحديثة المتطورة في مجال عرض القطع الأثرية، والعروض المرئية. وكل هذه المتاحف المذكورة تعد محل استثمار اقتصادي مربوطة بحركة السياحية التي تهتم بها الدولة حاليا، فقد شهدت المملكة إنشاء مشاريع سياحية كبيرة من أجل جذب السياح من أنحاء العالم كافة وجعل البلاد منطقة جذب سياحي عالمية. والحقيقة، يصعب علينا استعراض المتاحف في كل أنحاء المملكة هنا، حيث إن لديها مجموعة كبيرة من المتاحف في مختلف أنواع الثقافة والمعرفة، منتشرة في بقاعها.
ولذلك، سأقصر الحديث على نماذج متاحف في جدة، حيث تصطف في هذه المدينة وتتنوع كثير من المتاحف المتنوعة، منها المتاحف الحكومية، مثل متحف أبرق الرغامة الذي يسجل معركة من أهم المعارك العسكرية التي خاضها جيش الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه، ومتحف قصر خزام، الذي يزخر بكثير من مقتنيات الملك عبدالعزيز ومن بعده الملك سعود - طيب الله ثراهما، وهناك مجموعة من متاحف القطاع الأهلي، مثل متاحف عبدالرؤوف خليل، ومتحف سلامة، وأخيرا المتحف المتخصص في الرياضة، ومتحف للتوثيق في منطقة الحمراء في جدة.
ونستطيع القول إن المتاحف فرضت نفسها كلاعب مهم في تنمية الاقتصاد السعودي بعد أن سجلت السعودية أسماء سبعة أماكن تاريخية في سجل قائمة التراث العالمي، ومن ناحية أخرى ارتفعت نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2 في المائة، وهي نسبة عالية مقارنة بنسب قطاعات أخرى من قطاعات الاقتصاد الوطني. بمعنى أن السياحة تتقدم بخطوات واسعة نحو بناء مواردها الاقتصادية.
وغني عن القول إن المتاحف هي بمنزلة الذاكرة المتوقدة للشعوب التي تنشر التعليم والثقافة والوعي الحضاري في ربوع الأمة، وهي واجهة حضارية ودليل سياحي للزوار والسياح الذين يتسابقون لأداء الشعائر الدينية، ونؤكد هنا أن السعودية بحجمها تحتاج إلى مزيد من المنشآت المتحفية والثقافية والفنية حتى تستطيع أن تقدم تراثها الثقافي العريض بأريحية وثراء.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى عمل تطوير شامل لمفهوم الثقافة المتحفية، ولا ننسى في هذا المقام أن وزارة الثقافة قدمت في خططها المتنوعة في هذا الجانب وعكفت على تطوير كثير منها وفق برامجها الاستراتيجية، وأقترح مشروعا شاملا للثقافة يحمل شعارا وطنيا لعكس التنمية الثقافية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، خاصة أن لدينا متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض، وفي الدرعية التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، حيث جدة التاريخية، وفي الأحساء، وفي العلا آثار وآثار، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت كثيرا من الحضارات القديمة الغابرة، وحان الوقت كي نوجه إليها الكثير من اهتمامنا ومشاريعنا التطويرية.
نعم، إذا كنا نسلم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إننا نبحث عن دور أكبر للمثقفين السعوديين في برامج التنمية وعلينا زيادة الجرعات في هذا الجانب.
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى يمكن أن يسير - كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الانتقاد من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية، انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي، وتعد سياحة المتاحف بكل تأكيد من أنواع السياحة التي يجب أن تكون في مقدمة منابرنا الثقافية وتقوم الوزارة المعنية بهذا الدور وبمجهودات جبارة وملحوظة وبارزة، فعلينا أن ندعم جهودها لتحقيق الأهداف المرجوة والمطلوبة، لأن هذه البلاد هي أرض الحضارات القديمة الخالدة، ومهبط الدين الإسلامي الحنيف الذي شع نوره من بطاح مكة المكرمة ومن مقامات المدينة المنورة، ولذلك يجب أن نعنى كثيرا ببناء المتاحف التي تتحدث عن حضاراتنا الخالدة التي لا تقل شموخا وروعة عن أي حضارة من الحضارات القديمة التي يفتخر بها كثير من بلاد العالم.