بدأت منطقة العلا تلبس حلة ثيابها النضيرة استعدادا لاستقبال ضيوفها وزوارها الذين تعودوا على زيارتها في فصل الشتاء من كل عام.
وفي هذا العام ستتميز العلا بمجموعة من البرامج الترفيهية الفريدة، ويستعد ضيوفها وزوارها من داخل المملكة وخارجها لقضاء أمتع الأوقات في رحاب تراثها العريق الذي يمتد لآلاف السنين، وعبر عديد من الحضارات العربية الخالدة. وتتمتع وتتميز جغرافيا وطبيعيا بأن مدينة العلا تقع بين جبلين كبيرين على واد خصب المياه، وهي من ضمن المواقع الأثرية السعودية المسجلة في منظمة اليونسكو التي تحظى باهتمام كبير من اليونسكو العالمية التي اتخذت منها مكانا لمتابعة أهم تطورات هذه المنطقة الزاخرة بالحضارات الإنسانية الفريدة عبر مختلف الحضارات.
ويولي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، اهتماما كبيرا بمنطقة العلا، ويراهن على أنها ستكون من بين المناطق الجاذبة للسياحة العالمية، وخلال زيارته لباريس في 2018 وقع مع الحكومة الفرنسية على مشروع تطوير محافظة العلا بما يعبر عن رؤية مشتركة بين البلدين الصديقين لحماية التراث العالمي وتعزيز المعرفة الثقافية والتراث الإنساني، واتفقت الحكومتان الصديقتان على فتح طرق جديدة للسياحة المستدامة حول منطقة العلا الغنية والثرية بمواردها الحضارية والتراثية الفريدة والنادرة.
وصدر أمر ملكي بإنشاء هيئة ملكية لتطوير العلا، يرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والهدف من الهيئة الملكية هو تحقيق التطور والتحول في محافظة العلا، والعمل على تصميم البنية التحتية لهذه المنطقة الحضارية المهمة، مع التشديد في الحفاظ على تراثها وتاريخها، ودعمه بالمرافق السياحية العصرية المتنوعة والمتوزعة في كل أنحاء المدينة. ولذلك يتم تطوير المواقع التراثية والتاريخية في محافظة العلا، بالتعاون بين المملكة وفرنسا، بموجب اتفاقية تشمل التشارك والتبادل المعرفي، والثقافي، والاقتصادي، والسياحي.
وإزاء ذلك أطلق الأمير محمد بن سلمان في 2019 رؤية العلا التي تهدف إلى تطوير المنطقة إلى تراث عالمي تشد إليه الرحال من كل أنحاء العالم، مع الحرص على الحفاظ على التراث الطبيعي الذي تتمتع به منطقة العلا.
وورد اسم العلا في أمهات كتب التاريخ بأسماء عديدة، ففي القرن السادس قبل الميلاد سميت "ديدان"، نسبة للشعب الديداني الذي استوطنها وأنشأ مملكة فيها. وفي العصر الجاهلي عرفت بـ"قرح" إبان نشاطها كسوق تجارية مهمة عند العرب. وفي فترة لاحقة حتى نهاية القرن السادس الهجري، أطلق عليها "وادي القرى" بسبب كثرة القرى في أراضيها. وبدءا من القرن السابع الهجري سميت باسمها المعروف اليوم وهو "العلا". ومن أهم مظاهر الحياة العصرية في العلا شتاء طنطورة، ويعد شتاء طنطورة بمنزلة حدث سنوي في محافظة العلا ينظم في شتاء كل عام، ويحتفل به الأهالي ويتبادلون التهاني بعودتهم للحقول، وعودة موسم الزراعة ودخول الشتاء، وسمي طنطورة نسبة للساعة الشمسية التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للقرية، حيث كان يعتمد عليها أهالي المنطقة في معرفة وقت دخول موسم الزراعة وتغير فصول السنة، كذلك يضم المهرجان أنشطة ترفيهية وثقافية ورياضية، ويوفر زيارات ميدانية للمواقع الأثرية في المنطقة، حيث شملت الفعاليات أكثر من موقع أثري وثقافي، إضافة إلى عروض مسرحية موسيقية عالمية يزخر بها مسرح المرايا المبهر.
كما أن رؤية العلا تهتم بتطوير محمية شرعان الطبيعية التي تستهدف إعادة تأهيل النظام البيئي الطبيعي في المنطقة، وإعادة توطين الأنواع التاريخية الأصيلة، وتطوير الغطاء النباتي عن طريق زراعة أشجار الأكاسيا العريقة والمعروفة في المنطقة منذ أزمان سحيقة، وإطلاق الأنواع البرية في المحمية، طبقا للمقاييس العالمية، وتنفيذ إرشادات الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة والبيئة.
وأطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في السابع من نيسان (أبريل) 2021 الرؤية التصميمية لمخطط "رحلة عبر الزمن"، والهدف من هذه الرؤية هو إحياء وتأهيل المنطقة الأثرية الرئيسة في العلا بشكل مسؤول ومستدام، حيث يعد المشروع محطة رئيسة ضمن برنامج تطوير العلا وتحويلها إلى وجهة عالمية رائدة للفنون، والتراث، والثقافة تحقيقا لمستهدفات رؤية السعودية 2030.
والمتابع لرؤية السعودية 2030 يلاحظ أن حكومتنا الرشيدة شديدة وحريصة على الاهتمام بزيادة الاستثمار في المناطق الحضارية والأثرية التي تزخر بها الأراضي السعودية في كل المناطق، وتحويل تلك المناطق إلى مناطق جاذبة للسياحة ومحققة للتنمية الاقتصادية الواعدة، وصولا إلى تحويل السياحة كمورد من أهم موارد الاقتصاد الوطني، وحينما تصبح السياحة موردا للدولة، فإن أهم ما يميز السياحة هو أنها مورد غير ناضب، إضافة إلى أن تنمية التراث الإنساني في المواقع الحضارية التي شهدتها المملكة عبر عصورها المختلفة تعد نهضة حضارية تسترعي احترام العالم.
إن العلا في هذه الأيام تلبس حلتها القشيبة الشتائية، وتتزين بالفرحة الغامرة استعدادا لاستقبال ضيوفها وزوارها من كل مكان، وتهديهم السعادة والبهجة والفرح الغامر والاستمتاع بالأجواء السياحية في هذا الفصل من المواسم التي تزدهر بها هذه المنطقة التي تشتهر بمناظرها الطبيعية الخلابة.