نظم الرئيس الأمريكي جوبايدن قبل اسبوع «قمة من اجل الديمقراطية»، جمعت عبر الفيديو ممثلين عن حوالي مئة دولة ومنظمة وشركات ومنظمات خيرية. وأثارت لائحة المدعوين توترا شديدا، فقد نددت الصين وروسيا اللتان يعتبرهما بايدن ابرز «الدول السلطوية» باستبعادهما، كما اغضبت دعوة تايون بكين التي تعتبرها صينية حتى لو لم تكن السيطرة عليها. وتأتي هذه القمة فيما تشهد الولايات المتحدة الأمريكية أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث ندد الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاؤه المحافظون بحصول تزوير انتخابي أدى الى خسارتهم الانتخابات في نوفمبر 2020، لكن دون تقديم أدلة على ذلك، كما زعزع الهجوم العنيف الذي شنه أنصار ترامب على الكونغرس أسس الديمقراطية الامريكية، فيما تبقى البلاد منقسمة رغم محاولات الرئيس أن يظهر بأنه يجمع الأمة. وبحسب «فرانس 24»، صرح بروس جنكسون استاذ العلوم السياسية في جامعة ديوك بأن هذه القمة كانت على الدوام فكرة سيئة، موضحًا «لدينا مشاكل اكبر من مشاكل أي ديقراطية غربية أخرى»، مضيفًا «لقد تم اقتحام الكونغرس، هذه محاولة انقلاب. لم نرَ هذا الأمر حصل في باريس او ألمانيا، ولا مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل» وتابع «إذا أردنا التنافس فعلينا أن نبذل قصارى جهدنا، والأمر يعود الينا بالفعل بدلاً من جمع مئة قائد للقول (نحن نحب الديمقراطية)». الديمقراطية هي نتيجة تطور الحضارة الإنسانية والقيمة المشتركة جمعاء. لكن لفترة طويلة، تجاهلت الولايات المتحدة العيوب الهيكلية لنظامها الديمقراطي والأداء الكئيب للمارسة الديمقراطية المحلية واصفة نفسها بـ«النموذج الديمقراطي»، وكثيرا ما تتدخل تحت شعار «الديمقراطية» في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وشن حروب خارجية تسببت في اضطرابات إقليمية وكوارث إنسانية، ولوثت مثل هذا المصطلح الجميل «الديمقراطية». وإن الضباب الدخاني الذي خنق الكونغرس لم يتبدد بعد، ولا تزال الفوضى التي خلفتها «تصدير الديمقراطية» للولايات المتحدة إلى العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان تطارد العالم. هذا ما جاء في تقرير صيني نشرته صحيفة «الشعب» اليومية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تولي اهتماما لهذه الأمور، وانعقادها ما يسمى «قمة الديمقراطية» هو في الواقع محاولة ليكون «الأب الروحي للديمقراطية» في العالم، ويرسم الخطوط الايديولوجية لإثارة الانقسام والمواجهة. وإن إصدار تقرير «حالة الديمقراطية الأمريكية» في هذا الوقت ضروري للغاية لكي يرى الناس الوجه الحقيقي لنفاق وهيمنة الديمقراطية الأمريكية. الديمقراطية ليست زينة او داعابة، لكنها وسيلة لحل المشاكل التي تواجه الناس. وإن سعادة الناس الذين هم سادة البلاد مفتاح معرفة ما اذا كانت الدولة ديموقراطية أم لا. ولا يوجد نظام ديمقراطي مثالي، في العالم، ولا يوجد نظام سياسي واحد قابل للتطبيق في جميع البلدان، والديمقراطية مقدسة ولا ينبغي «خصخصتها» و«تسيسها»، وللناس في جميع البلدان في العالم الحق في ممارسة ديمقراطية تتناسب ظروفهم الوطنية.
وإن الشعب الوحيد من له الحق في أن يحكم ما إذا كانت دولته ديمقراطية أم لا. ولا ينبغي أن يحكم عليها عدد قليل من الغرباء. الديمقراطية الأمريكية ليست بالجودة التي يتباهى بها السياسيون الأمريكيون. وعند رفع المعطف اللامع «للديمقراطية الامريكية» فإن «الأضرار الثلاثة» واضحة للعيان، أولا، نظامها الديمقراطي مليء بالعيوب. ثانيا، تكرار حدوث فوضى محلية. ثالثا، تصدير الديمقراطية بشكل عشوائي إلى العالم الخارجي، مما تسبب في ضرر لانهاية له. وكما تذكر الصحيفة الصينية السالفة الذكر، يتساءل الكثير من الناس في العالم بما في ذلك الشعب الأمريكي: هل مازالت الولايات المتحدة دولة ديمقراطية؟ من الواضح أن الديمقراطية الأمريكية نزلت منذ فترة طويلة إلى أسفل الجبل، بعد أن كانت مثالاً يحتذى به في العالم على مدى عقود، وهي الآن ليست نموذجًا للعالم على الإطلاق. ويعتبر ترويج الولايات المتحدة لما يسمى بـ«دبلوماسية القيم» تحت غطاء «الديمقراطية» وايديولوجية للعلاقات الدولية، تهديدًا حقيقيًا للسلام العالمي والديمقراطية. إن الديمقراطية ليست مصلحة ذاتية لعدد قليل من البلدان. على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها وسائل مختلفة في الديمقراطية، الا أن نفاق ديمقرتطيتها يتم رؤيته باستمرار. وفقا لنتائج الاستطلاع الذي نشره مركز بيو للأبحاث في نوفمبر الماضي، يعتقد حوالي 57% من المشاركين في أجزاء أخرى من العالم خارج الولايات المتحدة أن الديمقراطية الأمريكية ليست مثالاً جيدًا في السنوات الأخيرة. وقد اتفق قرابة 72% من المشاركين الأمريكيين مع هذا الرأي أيضا. وفي مؤشر حرية الإنسان الصادر عن معهد كاتو، سجلت الولايات المتحدة المرتبة 17 لتأتي بعد كثير من الدول المتقدمة الأخرى. لا يوجد تعريف ثابت للديمقراطية. إذا حكمنا على ما إذا كانت دولة ديمقراطية أم لا، فإن الولايات المتحدة ليست هي الحكم النهائي لأن في التحليل الكلي يجب على شعب هذا البلد هو من يقرر ويحكم إن كان بلده ديمقراطيًا أم لا. على مر السنين عملت الولايات المتحدة بصفتها «قاضيا ديمقراطيا» رفيع المستوى ومارست سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى، ونسخت بشكل ميكانيكي نظامها وتجاهلت الظروف الوطنية لهذه الدول، وصدرت ديمقراطيتها التي تراها على مقاسها يشكل تعسفي إلى جميع أنحاء العالم. وقد حرم هذا بالفعل تلك الدول من الحق والحرية في استكشاف طرقها الديمقراطية الخاصة بها واستخدام الأدوات الديمقراطية التي تناسبها. إن «قمة الديمقراطية» ليست سوى طريقة جديدة للولايات المتحدة لجمع الحلفاء واستبعاد المنشقين. لكن العالم ليس «قمة واحدة» تستطيع قلة قليلة من البلدان السيطرة عليها. تحت راية الديمقراطية، الدرس على روح الديمقراطية وخيانة قيمها سيواجه حتما مقاومة ومعارضة من المجتمع الدولي.
وتعليقًا على هذه القمة، صرحت صحيفة «فرانكفورتر الجماينة تسايتونج» الألمانية أن الولايات المتحدة لا تستطيع إظهار نفسها على أنها «منارة للحرية» الأزمة لم تنته بعد.. ستكون رسالة بايدن للديمقراطية، هي: الولايات المتحدة في خطر. وبناء على الظروف السياسية والاجتماعية الحالية في الولايات المتحدة، من الواضح لا يكفي اعتبار النموذج الامريكي معيارا من قبل الدول والمجتمعات الأخرى. في حين تعتبر موسكو أن «قمة الديمقراطية» ليس أكثر من محاولة لرسم خطوط فاصلة جديدة تقسم البلدان إلى ما يعتقدون أنه «جيد» وما يعتقدون أنه «سيئ» وتحاول الولايات المتحدة خصخصة كلمة «ديمقراطية».
التعليقات