منصـــات السوشيال ميديا جاءت كتطور طبيعي لبرامج تلفزيون الواقع، فقد قدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وطوال 14 عاماً، برنامجا من هذا النوع اسمه (ذا ابرينتاس)، وذلك ما بين عامي 2004 و2016، واستطاع من خلاله تكوين قاعدة جماهيرية ساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض، وفي الحضور المؤثر على تويتر، وهو بالتأكيد نجح في استخدام الثانية كمنبر لصناعة عناوين الأخبار في الصحافة والإعلام الأميركي، قبل إلغاء حسابه، ومنصات التواصل ساهمت في إرباكات كثيرة حول العالم، وأصبحت المشكلة أكبـــر مع العزلة الاجتماعية في أزمة كورونا، وبعد أن زاد الاعتماد على الإنترنت كوسيلة تواصل مع الآخرين.

المنصات الاجتماعية ساهمت في تعزيز مفهوم القرية الكونية، ضمن ما يعرف بالانفوميديا، ولكنها كذلك مسؤولة عن معظم الجرائم الإلكترونية، وعن عمليات الاستغلال والابتزاز والاحتيال الرقمي، والأهم أن بعض المشاهير ونجوم الرياضة والفن لم يحسنوا التعامل معها، وحولوها إلى ساحة درامية لفضح الأسرار والخصوصيات وتبادل التهم والألفاظ غير المقبولة، وحتى تفاصيل خلافاتهم العائلية أصبحت متاحة لكل أحد، وهؤلاء يمثلون قدوات اجتماعية لمن يتابعونهم، وهم يعتمدون عليهم في بناء الأحكام وإجراء المقارنات ويتمثلون سلوكياتهم، وبافتراض صحة الوقائع، فإنها ستؤثر على احترامهم وصورتهم العامة أمام الناس، وستزيد من احتمالات التنمر عليهم وعلى عائلاتهم.

ما يحدث على شبكات التواصل لا يختلف عن ممارسات التابلويد البريطانية، والتي تمثل تقليدا صحافيا يعتمد على الإثارة والطابع الفضائحي لزيادة المبيعات والانتشار، وقد بدأته بريطانيــــا منذ القرن التاسع عشـــر الميلادي، ولعل الفارق يبدو في أن المشاهير العرب على الإنترنت، قد يفبركون أخبار وفياتهم أو خلافاتهم ولا يتعرضون لأي مساءلة، ولأهــداف لا تتجاوز، أحيانا، حل المشكلات المعلقة وإحراج الخصوم، أو التذكير بوجودهم وأنهــــــــم ما زالـوا في دائرة الاهتمــــام والشهـــــرة، وربما تمت العملية لأغراض تســـــويقية ولخــــدمة قيم الاستهلاك، فالإحصاءات تشير إلى أنهم يؤثرون في 70 % من القرارات الشرائية، وأن مداخيلهم الإعلانية ستصل إلى قرابة العشرة مليارات دولار في 2022.

قضايا الأسرة تعالج بسرية تامة في المحاكم البريطانية، ويمنع تناولها في المنابر العامة إلا في أضيق الظروف وبموافقة أطرافها، والإعلام الغربي لا يسمح بالتعرض لخصوصيات الشخصيات العامة، إلا إذا ثبت بالدليل أنها تتعارض مع المصالح الوطنية وأمن المجتمع، وتلتزم منصات السوشيال ميديا بالضوابط الغربية وحدها لأسباب ثقافية وقانونية، ولأن الصوت العربي خجول.

لا أحد يستطيع أن يعتلي ظهرك إلا إذا أحنيته، كما يقول مارتن لوثر كينغ، وعدم وضع حدود لهذه التجاوزات، على المستوى المحلي والإقليمي العربي، سيــــؤدي إلى تفاقمهــــا وصعـــــوبة السيطرة عليها، ونظاما الحماية من الإيذاء ومكافحة الجرائم المعلوماتية في المملكة، لا يجيزان استغلال الحياة الخاصة أو الغش والكذب في الأمور الشخصية أو التجارية، ولكنهما يحتاجان إلى تحديث دوري وتعاون عربي ودقة وجدية في التطبيق.