في يوم 12 ديسمبر الجاري عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون اجتماعاً تحضيرياً في مدينة الرياض، استعداداً لاجتماع المجلس الأعلى لدول الخليج العربية الذي تم في الرياض في 14 ديسمبر، برئاسة سمو ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وخرجت صورة فوتوغرافية من ذلك الاجتماع تضم وزراء الخليج، بالإضافة إلى السيد وزير خارجية مصر، وقد كانت مفاجأة سارة حملتني إلى أيام انشغل مجلس التعاون فيها، بالإضافة إلى وزيري خارجية مصر وسوريا، بملف اسمه إعلان دمشق، الذي ولد من مشاركة الدولتين في مهمة تحرير الكويت من الغزو الذي هندسه سفاح العراق صدام حسين، ووفر لكل من مصر وسوريا موقعاً يتيح لهما الاطلاع على مكونات الشأن الخليجي، بآماله وآلامه، بما فيه من قوة وما عليه من ضعف، بطموحاته وإمكاناته.

تشكل إعلان دمشق من ثلاثة خطوط مستقبلية، مشاوارات سياسية، ونجح الميثاق في تحقيقها، كان الهم السوري دعم مواقف سوريا أمام التصلب الإسرائيلي وتفهم دبلوماسيتها الإقليمية المعقدة، والتعايش مع بعض ألوانها، وكانت مصر حريصة على وحدة المواقف حول مساعيها تجاه السلام، لاسيما في التحضيرات للقاء مؤتمر مدريد للسلام، وما يتفرع عنه..

والخط الثاني الاقتصادي، واتخذت فيه دول المجلس خطوتين، الدعم الاقتصادي المباشر بقروض وودائع، والمشاركة في المشاريع المختلفة، وتواجد خليجي في البنية التحتية ومجالات الاستثمار، والثالث هو التعاون العسكري، وكان القرار أن يكون القرار ثنائياً، فمن يُرِد من الدول الأعضاء عقد اتفاق عسكري جامع مع كل من مصر وسوريا فمن حقه السيادي هذا التوجه.

وسارت العلاقات بين مجلس التعاون وكل من سوريا ومصر على هذا الطريق، ومع قدوم الربيع العربي، وتأثر نظام سوريا مقاوماً المستجدات، واستجابت مصر انسجاماً، وتلاشى الإخوان مع تبدلات تولى فيها الرئيس السيسي حكم مصر، انزلقت سوريا نحو حرب أهلية مع عجز النظام عن التعاطي المرن والإيجابي مع أمواج التغيير.

أتذكر حجم الآمال التي رسمناها كحصيلة من نجاح التحالف الخليجي ــ المصري ــ السوري وتأثيراته الإيجابية على العلاقات العربية، مع انتقال محور القرار العربي إلى هذا التجمع، لكن هذه الآمال، تأثرت سلباً بالانغلاق وجمود الدبلوماسية السورية البعثية المنهوكة بالاحتلال الاسرائيلي والمهمومة بسلامة النظام العلوي الطائفي.

في هذا التحول الجديد، تقدم دول الخليج ومصر التاريخية التي تقودها فلسفة الرئيس السيسي الوطنية لوحة استنارة عربية متفاهمة مع المستجدات العالمية، قادرة على هضم حقائق التطور ومتجهة نحو التحول التكنولوجي، متبنية نظاماً إنسانياً منفتحاً داخلياً ومتميزاً بالدعوة لاحترام حقوق الإنسان وحريته وصون كرامته وحقه في التعبير عن رأيه، اعتماداً على توافق داخلي وإجماع شعبي، متقبلاً العقد الاجتماعي المرسوم للدولة العربية الحديثة، المتضامنة عربياً، والمؤمنة بالدفاع عن القضايا العربية والمشاركة في جماعية المواقف، وتتم كل هذه الالتزامات في إطار احترام سيادة الدولة الوطنية العربية والالتزام بحدودها من دون تطاولات، وتكريس هذه المفاهيم العربية الواقعية ضمن فضاء عربي خالٍ من الأيديولوجيات، محصن من جمودها ويتحاشى انقساماتها ومبهور باللحاق بموكب حضارة العقل والمنطق.

هذه هي المهمة التي يجب أن تشكل أولويات الانسجام الخليجي ــ المصري، بغرس المفاهيم العربية التي تربط ولا تبعد، من دون أيديولوجيات، ومن دون تصورات عن دور قيادي ثوري طليعي يجري خلف الأحلام والأوهام، حصاده مطبات وانقسامات، داخلياً وعربياً وإقليمياً.

تتميز العلاقات الخليجية ــ المصرية بوحدة المنظور ووضوح الأهداف وصفاء الآليات، وتحمل معها مكانتها العالية في العواصم العالمية المؤثرة، وتستند على اقتصاد متين يتمثل في مخزون الطاقة النادرة وكياسة متوارثة في إدارته بالحكمة والاعتدال ومقدرة واضحة في المساهمات السياسية بغريزة الاعتدال، في العطاء الاقتصادي الإنساني حكومياً وشعبياً، وأهم من كل ذلك استقرار النهج السياسي من دون تقلبات وخالياً من المغامرات.

في شهر أغسطس من عام 1966 رافقت المرحوم الشيخ صباح الأحمد الجابر في لقائه مع المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر في الاسكندرية، وبحضور المشير عامر وأنور السادات، كان السفير حمد الرجيب سفير الكويت في القاهرة مشاركاً في اللقاء، وكان هدف الشيخ صباح الأحمد تحقيق اجتماع بين الرئيس عبدالناصر والملك فيصل بن عبدالعزيز في الكويت، لطيّ ملف اليمن، كان انطباعي من ذلك الاجتماع بأن الرئيس عبدالناصر في حالة من الحزن والسخط، مشككاً ومهموماً، لم يستجب للمساعي ولم يهتم بالنداءات، وكان رافضاً المقترح، وخرجنا بشعور كئيب من التشاؤم مع الخوف من القادم.. واندفع الرئيس جمال عبدالناصر بعد أشهر نحو الكارثة في حرب 1967، لأن قراراته التي اتخذها في مايو 1967 كانت مزيجاً من الغضب والتحدي، وأخطر القرارات في تاريخ الأمم هي التي تخرج من أعصاب غاضبة، وكانت المأساة التي أنهت فلسفته وطوت نظامه.

ارتاح الفضاء العربي من الصخب الأيديولوجي على حساب التفاهم العربي السياسي، وتخلص من خطب ترسم لوحات الأوهام، وانتهى ذلك الفصل، وجاءت الأولويات الآن في التنمية لخلق المجتمع الصحي الذي تحلم به الشعوب وسط علاقات عربية خيوطها التعقل والحكمة.

هناك قضايا لابد من تجاوزها ليطغى الصفاء على العلاقات العربية، أولها، أوضاع سوريا، فلا بد من خروج النظام السوري نحو جماعية الحل المرضي من دون غلاظة الطائفة، وهناك لبنان وحزب الله، مع سلطة لبنانية تستعيد سيادتها، ومن دون احترامها لن يتعافى لبنان، وهناك ليبيا التي تريد إزالة تركة البؤس القذافي، وهناك فوضوية السودان، وتسلّط الدخلاء في اليمن، وإيران وحزبها بقيادة حسن نصرالله، هذه مواقع مضطربة تهدد مشروع التحرك المصري ــ الخليجي، فلا مفر من مواجهتها، ولا بأس من طرحها في مداولات الجامعة العربية التي تعيش في بيئة الحزن السياسي، لأن الأعضاء لا يحترمون مبادئها ولا قراراتها، كما تسلطت على أجوائها المجاملات وغياب الصدق وتعالي الانتهازية.

هذه شحنة من التوقعات التي تنبت من مزرعة التفاهم الخليجي ــ المصري، وتنجح مأموريتها بتأكيد صدق النوايا وحسن التصرف واحترام حقوق الآخرين ومشاركتهم في الطموحات وفي التقصيرات، والأمل باتساع دور هذا التجمع الأخوي، وبودي أن أرى الأردن متوسطاً في صورة مستقبلية لتجمع الطامحين الواقعيين، فالأردن في عهد الملك عبدالله يتعالى عن أضرار الاصطفافات الإقليمية، يضيف كثيراً للدبلوماسية العربية في مساعيها العالمية وفي صون واقعيتها.