قد يظن البعض أن هذا المقال يختص بالكتاب الدراميين وهو كذلك، إلا أنه يخص القراء والمشاهدين أيضاً؛ ذلك (البناء الدرامي المحكم بحسب قوانين الكتابة) بالضرورة يمنح المتعة لمتعاطي الدراما بشكل عام فإذا ما اختلت تلك الهندسة المعمارية لأي نص فإنه حتما يقع في هاوية الثرثرة مهما بلغت حكمة الحوار وفصاحته وهذا ما نلاحظه في كثير من النصوص الدرامية!

ولهذا السبب سوف نوجز جميع الأبنية الدرامية على مر العصور فإن لكل عصر مدارسه الحرفية والتي تم تدوينها وتدريسها لكل الدارسين في جميع الجامعات ذات التخصص.

ففي الأبنية الدرامية القديمة نجد أن البناء الدرامي يتكون على شكل بناء هرمي ذي بداية وعقدة ونهاية وتحتل العقدة رأس الهرم، ولم يحدد أرسطو في كتاب فن الشعر موضوع الذروة ولكنه قال إنها تقع بين التعقيد والحل. وبطبيعة الحال فإن البناء التقليدي الكلاسيكي القديم يتكون من (بداية أسفل القاعدة ثم الكارثة أي الذروة ثم الهبوط نحو القاعدة من أعلى قمة المثلث وبقدر مساوٍ لطول الصعود ذاك).

ثانيا: البناء الشكسبيري. وكما نعلم أن عصر النهضة حين أتى حمل معه كثيراً من التمرد على القديم ومن هؤلاء المتمردين كان شكسبير والذي نصب له النقاد فوهات مدافعهم حينذاك لما تخطاه من تقاليد المسرح.

لقد قسم النقاد البناء الشكسبيري إلى خمسة فصول، واستمر تقريباً هذا التقسيم إلى القرن التاسع عشر وبعد ذلك بدأ التقسيم إلى ثلاثة فصول. ومن الملاحظ أن النقاد قد فضلوا البناء الدرامي الكلاسيكي عن البناء الشكسبيري ذلك لأن البناء فيه يبدأ من العقدة أو بالفاجعة. فالبناء الشكسبيري هو عبارة عن مثلث هرمي تتخذ قاعدته البداية ثم الحدث الصاعد حتى الذروة ثم الحدث الهابط نحو النهاية في الضلع المقابل ثم ذروة صغرى ثم الحل وبالتالي نجد لديه ذروتان الذروة الكبرى التي في قمة العقدة والذروة الصغرى نحو الحل وهكذا يكون البناء الشكسبيري من حيث التقسيم (الفصل الأول يمثل البداية، الثاني يمثل الحدث الصاعد، الفصل الثالث يمثل العقدة، الفصل الرابع يمثل الحدث الهابط وذروة صغرى، الفصل الخامس يمثل الحل).

الخط الدرامي:

1- المقدمة أو الحدث المبدئي، وهي التي يبدأ عندها الخط الدرامي في النمو.

2- تعقد الحدث حتى يصل الخط الدرامي إلى منتصفه.

3 الأزمة وفيها يصل الخط الدرامي إلى منتهاه، وتتجمع فيه كل الخيوط الدرامية.

4- معه انفراج الأزمة، وهو الخط الدرامي الهابط.

5- الختام هي نهاية المسرحية.

ثالثا: البناء الدرامي في المسرح الحديث: الشكل الدرامي الهرمي يتكون من ثلاثة فصول حيث:

يمثل الفصل الأول البداية، عرض الموضوع وتعريف الشخصيات. الفصل الثاني مرحلة التعقيد، تعقد الأحداث وتصل للذروة، الفصل الثالث الحدث الهابط والحل النهائي وتحل الأزمة وتنفك الخطوط الدرامية.

رابعاً: البناء الدرامي في مسرح العبث: يتمثل البناء الدرامي لمسرح العبث في شكلين:

1- البناء الدرامي الدائري مثل ما نرى في مسرحية المغنية الصلعاء ليونسكو.

2– البناء اللولبي ومثال على ذلك مسرحية في انتظار جودو. لبيكيت.

البناء في المسرح التعبيري: وهو يتخذ شكل الخط المنكسر دائماً حيث يتكون من عدة مشاهد لكل مشهد ذروة ثم يبدأ المشهد الذي يليه ببداية أخرى ينتهي بذروة أخرى ويهبط الخط حتى بداية المشهد الذي يليه ومثال على ذلك مسرحية القرد كثيف الشعر للكاتب الأمريكي يوجين أونيل.

ومن خلال تتبع هذه الخطوط للأبنية الدرامية في الكتابة المسرحية عبر مدارسها المختلفة نجد أنها جميعها هي عصب الكتابة المسرحية والتي تمثل حلقات تماسك الحبكة وفروعها في ضفيرة واحدة بين الشخصيات ومنطوقها وحتمية أفعالها في صراع تحدده أزمة البطل من معه ومن عليه وإلى أي هدف يسير وما يحققه في النهاية وهو ما يطلق عليه نموذج (جريماس).

هذه هي أدوات الكاتب المسرحي وأعمدته التي ينشئ عليها اللحم والدم لكي تتدفق الحيوية التي هي الخاصية الكبرى للمسرح دون غيره، بحيث إن أحداثه وشخوصه أحياء يتحركون بيننا في دائرة (هنا، والآن) التي يتفرد بها المسرح.

ولذلك نجد أن بين أيدينا وعلى أرفف المكتبات المئات من النصوص المسرحية العربية والمحلية، ولكن إذا ما طبقت عليها المعايير النقدية سقط معظمها في هاوية الحكي وجماليات اللغة واستعراض الشخصيات التي تجتر معاناتها وقد لا تتخذ فعلاً درامياً يعمل على تطور الحدث. ونعتقد أنها في وقتنا الحاضر هي أزمة كتابة النص المسرحي الذي يعول عليه النقاد كأكبر أزمة من أزمات المسرح العربي. فالمسرح هو بنية معمارية هندسية يجب أن تحكم لكي تؤدي في نهاية الأمر إلى متعة المشاهدة من خلال لحظات التوتر الدرامي وأفق الانتظار وتأجيل الحدث وتعقيده، فالكتابة المسرحية ليست موهبة فحسب وإنما موهبة فوقها صنعة وهو ما يحتاجه المسرح المحلي والعربي لينهض من جديد.