من جديد عاد الحديث عن عملية عسكرية تركية محتملة في شمال سوريا. المسألة بدأت بعدما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن الجيش التركي سوف يقوم بعملية عسكرية تستهدف المناطق «الناقصة» من عملية «نبع السلام» التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، واحتلت خلالها تركيا المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين، بعمق متفاوت يصل أحياناً إلى 30 كيلومتراً. لكن تركيا أصبحت تهدد من وقت لآخر باحتلال مناطق توجد فيها عناصر قوات الحماية الكردية وتقع إلى الغرب من نهر الفرات، مثل تل رفعت ومنبج، وإلى الشرق منه مثل عين عيسى، وصولاً إلى القامشلي والحدود العراقية.
ذريعة تركيا كانت على الدوام أنها لن تسمح لقوات الحماية الكردية بأن تشكل «ممراً للإرهاب» في شمال سوريا على الحدود التركية، خصوصاً أنها تعتبر قوات الحماية الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
وعلى هذا الأساس، قامت تركيا منذ عام 2016، حتى الآن، بأربع عمليات كبيرة هي «درع الفرات» عام 2016 واحتلت المنطقة الواقعة في مثلث جرابلس – أعزاز – الباب. والثانية «غصن الزيتون» في مطلع 2018 واحتلت كل منطقة عفرين المحاذية للواء الإسكندرون، والثالثة «نبع السلام» واحتلت في أكتوبر 2020 مناطق واسعة شرق الفرات بين تل الأبيض ورأس العين. أما الرابعة فهي «درع الصحراء»، وهي أقل حجماً من سابقاتها، واستهدفت مواقع للجيش السوري واشتبكت مع القوات والطيران الروسية، وانتهت باتفاقية 5 مارس/ آذار التي لم ينفذ منها شيء.

كانت حجة تركيا دائماً هي تنظيف كل هذه المناطق من العناصر الكردية. لذا، فالتحرك الآن يستهدف المناطق التي بقيت خارج منطقة نبع السلام من منبج وتل رفعت، إلى عين العرب/كوباني وعين عيسى والقامشلي، على أن يتراجع الأكراد إلى عمق الفرات في الرقة، وصولاً إلى دير الزور.
لكن اليوم يضاف عامل آخر، تقف وراءه تركيا، وهو إقامة منطقة آمنة داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا بعرض لا يقل عن 430 كيلومتراً وعمق يصل إلى 30 كيلومتراً، من أجل إسكان اكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري يقيمون في تركيا التي تقول أن نصف مليون لاجئ قد عادوا فعلاً حتى الآن إلى المنطقة الآمنة في مثلث درع الفرات، حيث بنيت لهم المساكن الجاهزة من الباطون/الأسمنت. وتزمع تركيا توسيع مناطق البيوت الجاهزة لتتسع لهؤلاء اللاجئين.
ويبدو أن أردوغان قد أحس بمخاطر اللجوء السوري في تركيا على سلطته، إد اتهمته المعارضة بأنه يجنس السوريين لكي يقترعوا له في الانتخابات الرئاسية بعد عام. فضلا عما يثيره اللجوء السوري من توترات اجتماعية واقتصادية مع المجتمع التركي أثرت سلباً في شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم. فأراد أردوغان أن يسحب هذه الورقة جزئياً من يد المعارضة.
لكن السؤال يبقى دائماً: لماذا التوقيت الآن لشنّ هذه العملية في وقت لا توجد أية تهديدات كردية لتركيا من سوريا؟
تتعدد أسباب التوقيت: انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية ولا سيما روسيا التي قد تكون سحبت جزءاً من قواتها من سوريا فشعر أردوغان بأن الفرصة مؤاتية لتركيا من دون اعتراض روسي حقيقي. وهي التي حالت قبل نحو سنة دون أن ينفذ أردوغان تهديدات مشابهة، لا سيما وأن المناطق المستهدفة، بأغلبيتها تقع ضمن المراقبة الروسية ونفوذها.
استغلال تركيا طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لابتزاز الحلف وعدم استخدام الفيتو ضد السويد وفنلندا مقابل مطالب عدة، منها عدم اعتراض الولايات المتحدة على الهجوم التركي الجديد، لا سيما في حال لم تتقدم القوات التركية إلى المناطق التي توجد فيها قوات أمريكية.
لكن ما يثير التساؤل هو إنه إذا كانت تركيا تريد حلاً لمشكلة اللاجئين السوريين بإقامة منطقة آمنة، وتريد التخلص من قوات الحماية الكردية، فلماذا لا تنسق مع دمشق وتفتح حواراً معها لحل جميع مشكلات سوريا المتصلة بتركيا؟
ربما تكون هذه العملية تطبيقاً لخريطة الميثاق الملّي التي وضعها البرلمان التركي في 28 يناير/ كانون الثاني 1920 وتشمل كل المنطقة من الإسكندرون إلى حلب والرقة ودير الزور وشمال العراق، وصولاً إلى الحدود الإيرانية. ومن أجل ذلك عملت تركيا على تغيير البنية الديموغرافية في كل هذه المناطق. ولا علاقة لكل هذا بمشكلة اللاجئين، ولا بالمنطقة الآمنة، ولا بقوات الحماية الكردية. عندها يمكن لأردوغان أن يخرج على الداخل التركي ممسكاً بورقة «فاتح الميثاق الملّي»، لعلها ستحمله من جديد إلى رئاسة الجمهورية في انتخابات يونيو/ حزيران من العام المقبل.