تنوعت أشكال الأزمة الحالية التي نعيشها، حيث تطورت من أزمة صحية إلى أزمات سياسية ومن ثم إلى أزمة اقتصادية تأثيرها كبير في العالم، سواء التضخم أو التقلبات في الأسواق المالية، وفي المرحلة الحالية نرى اليوم الاتجاه العام لـ"الفيدرالي الأمريكي" برفع الفائدة بصورة دورية، ويتوقع أن تصل إلى نحو 3.5 في المائة قبل نهاية العام، وقد تستمر هذه الزيادات خلال العام المقبل ليحد هذا الإجراء من التضخم ويعيد التوازن بين الاستثمار في الأصول منخفضة وعالية المخاطر. والزيادة التي تم وضعها أخيرا بنسبة 0.75 في المائة تعد الأكبر منذ مدة، ما يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي جاد في عملية الوصول بمعدل الفائدة إلى الحد الأقصى من الممكن باعتبار أن للتضخم آثارا كبيرة في الاقتصاد الأمريكي.
في ظل هذه التحولات في العالم وضعف قوة وفاعلية غايات منظمة التجارة العالمية وأنها فاعلة في ظل ظروف مستقرة، نجد بعض الدول بدأت تتخذ إجراءات حمائية، كما أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، انعكست سلبيا على الأسعار وتوافر المعروض في العالم، وتضررت من ذلك الدول الفقيرة وغيرها، وزاد ذلك في تكلفة السلع، ما انعكس على تكلفة المنتجات النهائية، وبالتالي حصول التضخم، فأغلب السلع التي تم اتخاذ إجراءات حمائية لها هي سلع أساسية تدخل كمكون لمعظم المنتجات الغذائية مثل القمح والزيت الخاص بالطعام، ولذلك نجد كثيرا من المنتجات التي تعتمد عليها ستتأثر بصورة كبيرة.
في هذه المرحلة نجد أن العالم بدأ يبحث عن خيارات أخرى لهذه المنتجات وغيرها، ما ارتفعت أسعارها، كما أن من الممكن البحث عن بدائل كانت غالبا بأسعار أعلى من المنتجات المتاحة مثل الزيت، وأصبحت أسعارها مقاربة لزيت النخيل باعتبار تقارب الأسعار مع وجود ميزة نسبية للخيارات الأخرى، وهذا بلا شك له أثر سلبي على المديين المتوسط والبعيد للدول التي قامت بمثل هذه الإجراءات في تدفق الاستثمارات الأجنبية عليها، إضافة إلى التجار والمزارعين المحليين الذين سيعانون مرتين بسبب تكلفة المنتجات التي تدخل في المنتجات التي تم فرض الحمائية عليها وعدم قدرة هؤلاء على التصدير والاستفادة من ارتفاع الأسعار الذي يمكن الاستفادة منه مستقبلا في التوسع في الاستثمارات وزيادة حصتهم السوقية في الأسواق العالمية في ظل الاحتياج الكبير لتلك المنتجات.
مجموعة الإجراءات والقرارات والخطط والبرامج التي اتخذتها مجموعة من الشركات الوطنية لا شك أنها إيجابية بشكل كبير، فهي تخدم السوق المحلية والأسواق في المنطقة وتعزز الأمن الغذائي محليا ولمنطقة الأشقاء في الخليج باعتبار أن المملكة لديها ميزات نسبية على بقية الدول في المنطقة يمكن أن تعزز مركزها الاقتصادي، وهي تأكيد على الخطوات الإيجابية الفاعلة لبرنامج شريك الذي يدفع الشركات إلى مزيد من التوسع وتكون لديها برامج لمنتجات ونوافذ ومشاريع جديدة، ولعل إجراءات الدول الحمائية والصعوبات التي يواجهها العالم في نقص الإمدادات وتأخرها فترة ذهبية للمنافسة على الأسواق التي تعاني اليوم نقص الإمدادات وأن تكون المملكة خيارا لها، سواء بتوفير تلك الإمدادات واستقطاب الاستثمارات في هذا المجال أو الدخول في شراكات مع الشركات المحلية، وهنا ستزيد تنافسية المملكة لجوانب متعددة تتعلق بالتحولات الكبيرة التي حصلت للاقتصاد الوطني وموقع المملكة الاستراتيجي والبيئة الاستثمارية أصبحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاستقطاب الاستثمارات، كما أن العمل الكبير على جوانب مختلفة تتعلق بتهيئة البيئة التشريعية وبناء الكفاءات الوطنية وتحسين جودة الحياة والاستثمار في الخدمات اللوجستية والنقل سيكون له أثره البالغ في هذه المرحلة التي جاءت لتعزز مركز المملكة كقوة اقتصادية كبيرة ومهمة في العالم.
الخلاصة: إن الأزمات التي يشهدها العالم اليوم والإجراءات التي يتخذها بعض الدول تتطلب العمل على استغلال هذه الفرصة في إطار التوجهات الحالية للاقتصاد الوطني لتسريع البرامج وتعظيم المنافع التي يمكن أن تتحقق من هذه التغيرات، إذ إن الظروف لدى المملكة مميزة بسبب ارتفاع أسعار النفط واكتمال مجموعة كبيرة من المشاريع التنموية التي تعد أساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، كما أن برنامج شريك بدأ فعليا يعزز الفرص التي يمكن أن تعزز نجاح نتائجه، حيث أعلن بعض الشركات الوطنية خططها للتوسع وشركات أخرى بدأت في زيادة رأسمالها لتتوسع في مشاريعها، وهذا كله سينعكس على نمو ومتانة الاقتصاد الوطني.
- آخر تحديث :
التعليقات