"والله، أخجل حين أكتب لدولتي التقرير". الدبلوماسي العربي الصديق لم يوفر يوماً في علاقته ببلدنا تغليب الإيجابي على السلبي لدرجة يُشعرك بأنه أحرص على لبنان من اللبنانيين.

هو يفهم جيداً وبالتفاصيل، لكن تحفُّظه الذي لا يفارقه في أضيق الجلسات يجعله يستغرب: "لا أفهم كيف أن سلطة مسؤولة تسمح بالوصول الى هذا التردي، ولا كيف أن بلداً بأمه وأبيه كان واعداً ومنارة عِلم قصدناها قبل عقود صار طارداً لكفاءاته، مُذلاً لأهله، وبات حلم الناس هِجرته... يُفترَض أنني على مسافة واحدة من الجميع، بيْدَ أن واجبي التمييز بين مَن تسلَّم مسؤوليات وبين من وقف في وجه مسار تدميري. هذا بلد نكَبتْه الحرب الأهلية بمئة ألف قتيل لكن بدل إعادة البناء انطلاقاً من دروس أيام الدم والخراب جرت عملية نهب واسعة أدَّعي أنني أحد الشهود على أكثر من حادثة نموذجية فيها. قد أرويها بالأسماء إذا كتبتُ مذكراتي، لكنها لن تضيف نوعياً الى ما يعلمه اللبنانيون. يكفي أن أشير الى دهشة أبلغني عنها وزير في بلدي حين طلب نظيرُه اللبناني ومستشارُه زيادة سعر سلعة نبيعها للبنان واحداً في المئة، وفهمك كفاية".

وإذ إن الحديث عن "شخصيات" المنظومة يجرُّ بعضه، يأسف الدبلوماسي الصديق: والله أنتم "ما بتستاهلو" كل هذا العذاب. ويستغرب كيف أضاع لبنان فرصاً استثنائية لم تتوفر لدول أخرى مرت بحرب أهلية. "حظكم عاطل، اتفاق الطائف أهم محطة للوحدة الوطنية واستعادة الدولة وما كان يجب أن تضيع. مزاوجة الإعمار بالفساد وسياسة "مَشِّي" ما بْتِمشي بلبنان. فساد بلا موارد طبيعية تعوض، صعبة شوي. فكيف اذا امتزجت الخلافات السياسية بالطائفية وبعطب في الانتماء الوطني؟ بالمناسبة، أجزم ان الذين التقيتهم من الزعامات والمسؤولين يبيعون التعصب لجمهورهم فيما يتعانقون في الصفقات الحرام".

كاد الدبلوماسي الصديق أن يتوقف مرات ومرات عن الكلام المباح غير أنني كنت استفز ذاكرته تارة بأحداث أمنية أليمة، وطوراً بانعكاس السلاح غير الشرعي على الداخل والخارج تدخلات وإساءات، حتى قفزنا الى الجاري من الأحداث. فكان تساؤل عن استشارات الخميس وكشْف مراسَلة من قضاء موناكو الى السلطات في لبنان للتحقيق بتهمة تبييض أموال بحق الميقاتيين الثلاثة طه ونجيب ونجله ماهر. هنا سكتَت شهرزاد وفضلَت الاستماع. فذكرتُ ان توضيح ميقاتي في رده على الوثيقة المسربة بأن "الملف طوي" تضليلي أو يشبه تعبير "سحب الملف من التداول" زمن الوصاية السورية، أي طمس الكلام عن الموضوع ونقل الاهتمام الى مكان آخر.

قلتُ: أعلم أنه صديقك، وتعتبر مع كثيرين أنه معبر إلزامي لتقطيع هزيع العهد الرهيب. لكن تأمَّل في وضْعنا بعد ثورة شعبية عرمرمية في 17 تشرين وانهيار الاقتصاد ونهب الودائع وتفجير 4 آب. لدينا، على سبيل المثال لا الحصر، حاكمُ مصرف سارق، ورئيس حكومة مشتبه فيه بالتبييض، وزعيم كتلة نيابية مشمول بالعقوبات، وعضوان في لجنة الإدارة والعدل النيابية مطلوبان للتحقيق ويتحديان العدالة، وحزب له نواب ووزراء أدانته المحكمة الدولية بأكبر جريمة اغتيال، ورئيس جمهورية دمَّر سابقاً الحجر والبشر ويخالف الدستور في تسهيله امتهان السيادة وتعطيل المؤسسات، وهلمَّ جراً ممن يذكِّرونك بـ"حديث الحيَّات"... ثم يريدون معاودة تكليف رمادي مدوِّر زوايا ومقطِّع وقتٍ تشكيلَ حكومة تعبُر بنا من الجحيم الى شاطئ الأمان. فماذا يمكن أن تقول في تقريرك المقبل؟

أقول: أعانكم الله. إنه لبلاء عظيم.