مازالت هيئة الأدب والنشر والترجمة قادرة على أن تمتعنا وتدهشنا كل حين وآخر، برؤيتها الثقافية الواعية والشاملة، التي تعكس وعيها العميق لمفهوم الثقافة والفن والأدب، في مجتمع يعج بتلك الثلاثة منذ قديم الأزل. فمنذ انطلق معرض المدينة المنورة للكتاب يوم الخميس، السادس عشر من يونيو الجاري، وأنا أتابع برامجه وفعالياته التي تدعونا إلى أن نوجه الشكر إلى القائمين عليه، على تلك الرؤية الشاملة التي وُضِعت على أساسها برامجه وفعالياته الثقافية، حيث اشتمل برنامج المعرض على أنواع متعددة من الفنون والثقافة والآداب، والتي تخاطب كل الأعمار، وتصنع جسرًا بين الأجيال بمختلف ميولهم واهتماماتهم التي تتنوع بين «البودكاست» و»فانتازيا الرواية»، وما يحمله ذلك من الاهتمام بمدارس الفنون الحديثة في التعبير والأدب، وبين جماليات الخط العربي، وفن القط العسيري بما يمثله من تراث وفن شعبي سعودي أصيل.

من يستعرض فعاليات معرض المدينة للكتاب، والتي تصل إلى أكثر من 80 فعالية ثقافية متنوعة، سوف يدرك تمامًا أن هناك منهجًا فكريًا ورؤية ثقافية عميقة وواسعة تقف وراء هذا الفعل الثقافي الكبير، ولعل هذا أكثر ما استوقفني في أنشطة المعرض وفعالياته، فإلى جانب الاهتمام بالأجيال وتواصلها، والفنون القديمة والحديثة وتكاملها، يبرز أيضًا الاهتمام بالبعد الإقليمي والعربي، والذي أفرد مساحة معتبرة للأدباء والمفكرين والمثقفين العرب، من كل من مصر والعراق والجزائر وفلسطين والخليج، الذين يشاركون في الندوات والأمسيات والفعاليات إلى جانب السعوديين، الذين يمثلون أجيالا ومدارس ثقافية وأدبية مختلفة، مما يعزز التواصل وتنوع الأفكار والرؤى، ويتيح المجال لجمهور المعرض من المواطنين والمقيمين، أن يشاركوا ويستفيدوا من هذا التناغم والتعدد، لكي تحقق الثقافة غايتها من هذا الجهد الكبير، الذي يستهدف بالأساس، ومن خلال هذا التنوع البديع، أن يحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وكذلك استراتيجية وزارة الثقافة التي تُعنى بإثراء حياة المواطنين ثقافيًا، فضلاً عن الاحتفاء بالهوية الوطنية وتعزيز مبدأ التفاهم بين أبناء المجتمع، وتمكين الثقافة السعودية النابضة بالحياة بما يتوافق مع ماضيها ويعتني بمستقبلها، من خلال الاعتزاز بالتراث، إلى جانب الاطلاع على كافة أنواع الفنون والآداب والثقافات الجديدة.