عندما هبت عاصفة الجائحة الخبيثة (كورونا) على العالم، ضربت (بقوة) مفاصل الاقتصاد الدولي وفي مقدمته النفط، وما زال المجتمع الدولي يصارع تأثيرات ذلك المرض الخطير الذي مازالت (توابعه) تتواجد في كل أرجاء القارات.

وما التضخم الذي يضرب أيضا (بقوة) الاقتصادات الدولية بتعريفه المبسط (زيادة في حجم النقود في السوق، ينتج عنه فقدان للقيمة الحقيقية للعملات.. ينتج عنه ارتفاع في أسعار السلع والخدمات)، هذه ظاهرة اقتصادية خلخلة قيمة العملات خاصة في دول العالم الثالث، فجعلت محدودي الدخل عرضة لنقص حاد في احتياجاتهم، فالنقود التي يتقاضونها أصبحت قيمتها محدودة جدا لا يمكنها الوفاء بمتطلباتهم.

هذه أزمة التضخم الحاد خرجت من رحم جائحة كورونا وأثرت بشكل مباشر على الإنفاق العام للدول في معظم القطاعات، ماعدا قطاع واحد الإنفاق على التسلح في سباق محموم خاصة بين الدول التي فازت بلقب (الكبرى) للأسف.

هذا السباق بمفهومه المبسط يعني تنافس الدول العظمى أعضاء مجلس الأمن وغيرها لتطوير الأسلحة خاصة المدمرة منها والسعي لامتلاك ترساناتها، لمزيد من أسلحة الدمار الشامل لضمان التفوق العسكري في سباق شرس قد يؤدي إلى تدمير الأرض ومن عليها وفي المقدمة أصحاب ذلك السلاح إذا ما حدث خطأ غير محسوب لا قدر الله.

هذا السباق الشيطاني بدأت رحلته منذ قنابل هيروشيما وناغازاكي التي أعلنت إنهاء الحرب الكونية الثانية، تلك القنابل (الشريرة) أطلقت العنان للدول للتسابق للفوز بحيازة هذا السلاح الفتاك، الاتحاد السوفيتي (السابق) تمكن من اللحاق بالأمريكيين، وجاءت بعده دولا أخرى لحيازة هذا السلاح، بل الحصول على عدد أكبر من الأسلحة الفتاكة وصناعة معدات ذات تقنية عسكرية متطورة جدا تحدث أكثر دمارا ضد الإنسان والشجر والحجر.

يمكننا القول إن سباق التسلح اليوم أصبح كالوحش الكاسر يلتهم كل شيء يقف في وجهه، التنافس بين روسيا وأمريكا في هذا الميدان (مثلا) جعل الدولتين العظميين تسعيان للفوز بقصب السبق في التفوق لامتلاك العدد الأكبر من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها بالطبع القنبلة الذرية والهيدروجينية وغيرهما.

في 30 سبتمبر 2020 قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن حجم المخزون الأمريكي من الرؤوس النووية الحربية (3750) رأساً نووياً مفعلة أو غير مفعلة.

لكن معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام نشر في شهر يناير 2021 أن الرؤوس النووية الأمريكية الحربية تبلغ (5550)، مقابل (6258) لدى روسيا.

وعلى ذمة معهد استكهولم للسلام في نفس تقريره أكد أن الصين تحتضن ترسانتها (350)، بريطانيا (225)، فرنسا (290) وكل من الهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية رصيدها جميعا (460) رأسا نوويا، وجدير بالتنويه أن بعض التقارير تذهب إلى التأكيد أن رصيد الصين من الرؤوس النووية أكثر من (900) وهذا يبرزه بوضوح نفس المعهد في تقريره بتاريخ 25 ابريل 2022 إذ أبان أن أكبر خمس دول إنفاقا على التسليح هي الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند، وبريطانيا، وأكبر منافسين لبعضهما البعض أمريكا وروسيا فالأولى تنفق (3.5) في المئة من إجمالي الناتج القومي والثانية (2.9) في المئة، ونعتقد أن الصين فارس قوي في سباق التسلح والإنفاق عليه وهذه الدول في مقدمة الإنفاق الدولي على التسلح الذي يبلغ تريليوني دولار.

هذا الحجم الضخم من الإنفاق يجعل العالم يعيش في ظل تهديد حقيقي للأمن والاستقرار والسلام في العالم الذي يزيد فيه الفقراء فقرا والأغنياء ثراء، وبعضهم تجار سلاح دوليون، ناهيك عن السلاح يباع (حاجا) بين دولة وأخرى.

اليوم العالم يشهد صراعا شديد الخطورة رياحه عاصفة قد تخرج من (أعاصيرها العاتية) حربا كونية ثالثة تدمر الأرض مرات عدة، هذه الحرب في المفهوم الاستراتيجي والتنافس الدولي كانت شرارتها احتلال بلاد الرافدين أمريكيا وبريطانيا وإهدائها إلى الفرس، حدث هذا وقيصر روسيا آنذاك غارق في لملمة جروح بلاده بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991، وكان السيد بوتين شاهدا على ذلك.

القارة الأوروبية التي من على أرضها اندلعت حربان عالميتان الأولى عندما اغتال صربي متطرف ولي عهد النمسا والثانية عندما التهم النازي هتلر (بقوة) بعض أراضي جيرانه.

السؤال هل التاريخ يعيد نفسه ليشهد العالم الحرب الكونية الثالثة من على أرض القارة العجوز في خضم الحدث الكبير غزو روسيا لجارتها أوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير من هذا العام ولا يزال مستمرا، وليس في الأفق ما ينبئ عن حل هذا الصراع الدموي بالطرق السلمية.

ولعل في الإجابة على السؤال، أن الأجواء ملبدة بغيوم كئيبة، قد ينتج عنها حرب شاملة مدمرة، وقد تتكون أحلاف جديدة على غرار الحربين الكونيتين السابقتين!

المبارزة على أرض أوكرانيا يبدو في وجهها القبيح أنها بين السلاح الروسي والأمريكي، تلك الدولتان مخزونهما من الرؤوس النووية حوالي (90) في المئة من إجمالي الرؤوس النووية في العالم، والمجابهة بينهما على ارض أوكرانيا تمثل للعالم خطرا شديدا وشرا مستطيرا.

أسلحة متطورة جدا تستعمل لأول مرة دفع بها الروس إلى ارض المعركة مستغلين حدودهم مع أوكرانيا مما يمنحهم (قوة) دفع عجلة الحرب لصالحهم مستعملين معظم ما بحوزتهم من أسلحة متطورة، ومنها كاليبر كروز الذي يقوم بتعقب وتدمير الأهداف على بعد أكثر من ألفي كيلو متر، صواريخ شلندر يصل مداها إلى خمسمائة كيلو متر وتحمل رأسا يتفجر لتدمير عدة أهداف ناهيك عن صواريخ اس 400 الروسية.

ومن جانبها الولايات المتحدة قدمت وتقدم أسلحة متطورة لأوكرانيا منها نظام صواريخ جافلن وهو سلاح متطور جدا مضاد للدبابات، إضافة إلى صواريخ هيمارس، راجمات صواريخ متحركة عالية الحركة، وفي معمعة الصراع تستعمل أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة والصواريخ والمدفعية بعيدة المدى ..الخ.

هذه الحرب المدمرة التي قد ترقى إلى حرب عالمية ثالثة، هذا نستشفه من إشارة الرئيس بوتين نفسه إلى الخيار النووي وزاد عليه ديمتري ميديفيديف الرئيس الروسي (السابق) والنائب الحالي لرئيس مجلس الأمن القومي قائلا (إن محاولة الغرب معاقبة دولة نووية كروسيا قد يعرض البشرية للخطر)، واستطرد قائلا: (إن الولايات المتحدة إمبراطورية سفكت الدماء في جميع أنحاء العالم)، وزاد مؤخرا قائلا: (إن أوكرانيا قد تختفي من خريطة العالم).

إن المتعمق في علم الإستراتيجية والعلوم العسكرية والعلاقات الدولية والتحالفات الدولية، وتاريخ بعض القيادات الدولية التي تسببت في اندلاع حروب ضروس دمرت دولا وأسقطت إمبراطوريات وحلحلت قواعد الاقتصاد الدولي، يدرك أن العالم اليوم يمر في مرحلة تاريخية شديدة الخطورة، الأمر الذي يهدد أمن واستقرار النظام الدولي برمته.

حرب أوكرانيا سيخرج من غبارها تحالفات على غرار ماحدث في الحربين الكونيتين في القرن المنصرم الذي شهد أزمات وأزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية، وانهارت عصبة الأمم وقامت هيئة الأمم المتحدة، التي يتبنى أعضاء المنظومة الدولية بقائها على قيد الحياة في هذا القرن، قرن الأزمات والنزاعات والصراعات والحروب.

يؤكد رأينا هذا أن الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة موجود في الواقع المعاش، بل انه أصبح الأقوى اقتصاديا وعسكريا، وبسبب حرب أوكرانيا أسرعت كل من فنلندا والسويد لطلب الانضمام لهذا الحلف (القوي)، الذي يحتضن 3 دول نووية وأعضاء في مجلس الأمن الذي (للأسف) يدير دفة السياسة والعلاقات الدولية، وفشل في حل الغالبية العظمى من قضايا السلام وحقوق الإنسان وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس الشريف.

حلف ثان تلوح ملامحه في الأفق الاتحاد الروسي والصين، وقد يستضيفا الهند رغم النزاع المتجدد بين كل من الصين والهند، لكن الأخطار التي إذا ما لاحت في الأفق وأصبح حدوثها حقيقة فان العلاقات تعود إلى سيرتها الأولى من التوافق، وبذا فان هذا الحلف إذا ما حدث فانه سيشمل ثلاث دول أعضاء في النادي النووي (القبيح)، لكنه لن يكون على قدر المساواة مع حلف الناتو في ميدان الاقتصاد والاستثمار والتجارة الدولية، وحتى في الميدان العسكري.

المهم أن عالم اليوم رغم ما بلغه من تطور في جميع المجالات حتى تمكن من غزو الفضاء، لكنه في عقله وعلمه صنع وهو في سباق تسلح يعد جمرة خبيثة قد تأتي على كل تقدم وتطور في جميع الأصعدة.

وعبر ودروس التاريخ العسكري تؤكد أن طغيان (القوة) يخلق معه (قائداً) قد يأخذه هذا الطغيان إلى قرار خطير.. استعمال طوفان (قوة) بلاده، وهذا حدث في القرن المنصرم في الحربين الكونيتين اللتين راح ضحيتهما أكثر من 60 مليون من البشر ناهيك عن الدمار الشامل الذي خلفته الحربان المدمرتان.

لكن الحربان يمكن وصفهما بالتقليديتين في عتادهم العسكري باستثناء قنابل هيروشيما وناغازاكي.

لكن (أيضا) الحرب العالمية الثالثة إذا ما بدأت خطواتها وهبت عاصفتها ستكون ضربتها خاطفة فلن ترحم من تسبب بانطلاق رياحها العاتية ولا أولئك الذين ردوا على العدوان بمثله فالجميع إلى هاوية النهاية.