منحت المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، الأسبوع الماضي، لابيد، رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، مقعداً إضافياً، حسب استطلاع القناة الإسرائيلية 13. انتقل رقم مقاعد حزب "يش عتيد/ هناك مستقبل" من 23 إلى 24، يستطيع الآن أن يفكر ويحسب كما يفكر ويحسب رجل وصل إلى الرقم 24، وأن يضع صورته على المقعد، كما حصل في الاستطلاع نفسه، على موجة من المديح، مديح ورضا من اليمين واليمين المتطرف ومجموعات المستوطنين، على عمليته "الفجر الصادق" ضد "الجهاد الإسلامي"، وعلى سماحه وحمايته لمئات من المستوطنين باقتحام باحات المسجد الأقصى، ولكنه، الرضا، لم ينعكس على عدد المقاعد.


المقعد الجديد هو تقريباً ثمن قتل 45 فلسطينياً، بينهم أكثر من 15 طفلة وطفلاً، وإصابة ما يقارب الـ300 وتدمير مئات المنازل، وحراثة الحقول بالمدفعية، خلال وقت قياسي لم يتجاوز الـ60 ساعة، وهو رقم سيبدو أمامه الجيش الروسي وأسلحته وأرتاله الممتدة التي تزرع أوكرانيا منذ شهور طويلة فصيلاً من الملائكة.

يفضل الناخب في إسرائيل أن يعطي صوته لليمين الأصلي، اليمين الحقيقي، وليس لمحاولات التقليد التي يقوم بها أشخاص مثل لابيد في الأسابيع الأخيرة لموعد الانتخابات، أشخاص لا يملكون تلك العقيدة التي تجعل من قتل الفلسطينيين مهمة وطنية وواجباً دينياً، وتحصرها في سياقات محددة، مثل إضعاف حضور إيران في غزة عبر فصيل يواصل صعوده وحضوره في أوساط الفلسطينيين بقوة، وفي التوقيت الذي يزور أمينه العام طهران.

ثمة فرق لدى الناخب الإسرائيلي بين "مجزرة" يرتكبها اليسار ومجزرة يرتكبها اليمين، وهو يضيف عادة نوعاً من القداسة على مجازر اليمين، بينما يكتفي بالرضا المحدود على أفعال اليسار، اليمين يقتل لأن هذه هي مهمته ولكن اليسار يقتل ليساوم.
لذلك يمكن مديح رئيس وزراء يقدم نفسه بصفته ممثلاً للوسط حين ينفذ عمليات القتل، سيكون هذا جيداً وسيعكس تأثير أفكار اليمين الفاشي على مثل هؤلاء الأشخاص، ولكنه لا يمنحه حق الحصول على الأصوات.

هكذا تجري الأمور في منظومة الأبارتيد في إسرائيل، وهي الطريقة الوحيدة لفهم العقلية الحاكمة هناك، نقل الحروب إلى بيوت "الآخرين" وحقولهم، واستخدام "الآخرين" لحسم الصراعات على المقاعد، سياسة تشكلت قبل نشوء "الدولة" وتحولت خلال عقود من الحروب إلى نمط. بقية التحليلات تتشكل على هذه الشجرة كهوامش وثمار جانبية.

لم يتضمن الاستطلاع عملية اقتحام قصبة نابلس واغتيال إبراهيم النابلسي ورفيقيه، ومسيرة المستوطنين واقتحامهم للحرم الإبراهيمي في الخليل، وقتل فتى في السادسة عشرة هناك، وهي أمور قد تساعد في جمع ما يكفي لمقعد آخر، ولكن نتنياهو الذي يجلس على الناصية ويسأل المارة عن أصواتهم، سيسارع إلى محاولة قطع الطريق على موسم قطف الأصوات الذي أطلقه ائتلاف لابيد - بينيت وغانتس، عندما اتهم لابيد باستغلال "العملية الحربية" لأغراض انتخابية، وتوجه إلى "لجنة الانتخابات المركزية" ليطالب بمحاسبته على نشر صور له مع الجنود قرب قطاع غزة، ما يعتبر "استغلالاً للجنود لمصلحة حزبه ومعسكره".

يعرف نتنياهو جيداً ما الذي يعنيه قتل الفلسطينيين للناخب الإسرائيلي، الأمر يشبه معادلة قاعدية يمكن بناء الكثير من المسائل والمعادلات الرياضية على ضوئها، ويعرف أن لابيد يقوم بإغلاق ثغرة في سجله السياسي عندما يلتقط صورة مع الجنود. فالرجل بلا ماض عسكري ولا يملك تلك الصورة الذهبية التي تزين سيرة السياسيين في إسرائيل، والوقت يلاحقه دون أن يجمع عدداً مقنعاً من جثث الفلسطينيين، لابيد خدم في الجيش كصحافي لا أكثر، كما أنه لا يمكن احتساب صورته، لابيد، وهو يطوف في حوامة عسكرية فوق حقل كاريش، لا شيء يضاهي صورة جندي، مثل تلك الصورة اللامعة لباراك وهو ينحني على جثة دلال المغربي على الطريق الساحلي بينما يتدلى حزام البندقية الطويل من كتفه، أو صورة شارون عندما عاد من الدفرسوار بعصابة على رأسه، حتى بينيت، وهو شخص لا معنى له، وجد صورة بملابس الجيش في أحراج جنوب لبنان.

يعرف نتنياهو أهمية ذلك الآن عشية الانتخابات، بعدما اختبره في صراعه المتعثر مع شارون، الذي كان يذكّره بمناسبة ومن دون مناسبة بسجله العسكري الفقير، رغم أنه كان يبرز جثة شقيقه المقتول في عنتيبي في أوغندا ليحصّن صورته المدنية بقتيل عسكري من العائلة.

لا شك بأنها عملية مثالية بالنسبة لجيش الاحتلال، اغتيال خاطف مبني على معلومات استخبارية دقيقة، وحصر المواجهة مع فصيل دون غيره وتحييد "حماس"، بأقل قدر من الخسائر. على الأرض سيبدو المشهد مختلفاً، إذ منحت المواجهة حركة "الجهاد" مساحة أوسع للعمل في أوساط شعبية متعاطفة، وظهرت كمنظمة متماسكة بمنطق وحدوي وطني، وقادرة على الرد، بينما تراجع دور السلطة في رام الله و"حماس" في غزة إلى درجة وسطاء ثانويين، ستضاف هذه الصفات إلى الصفة الأهم وهي ابتعاد الحركة عن الصراع على السلطة الذي تتواجه فيه "فتح" و"حماس" منذ أكثر من عقدين.