منذ أن زار الرئيس جو بايدن إسرائيل في يوليو 2022 غادرها والعديد من وسائل الإعلام في المنطقة وخارجها تتحدث وتطرح التساؤلات حول إمكانية التعامل مع الملف النووي الإيراني بالقوة العسكرية عن طريق ضرب المنشآت والمفاعلات النووية الإيرانية. فهل تحمل مثل هذه الأحاديث مصداقية؟ وهل يمكن عملياً تنفيذ مثل هذه العمليات الخطيرة؟ إن المخيف في الأمر أن الرئيس بايدن وهو في إسرائيل تحدث عن أن بلاده لن تسمح مطلقاً لإيران بامتلاك السلاح النووي.
ورغم أنه لم يوضح كيف يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تقوم بذلك إلا أن التصريح آثار الكثير من التكهنات حول مغزاه ومغزى أن يطلق والرئيس يقوم بزيارة رسمية إلى إسرائيل، وفسرته أطراف معينة عدة بأنه بمثابة ضوء أخضر أعطي للقيام بعمل ما ضد المنشآت النووية الإيرانية. مثل هذا التفسير خطير جداً ويحمل في طياته ما يحمل من تداعيات ومخاطر جمة حاضرة ومستقبلية على المنطقة العربية، خاصة ما يخص دول مجلس التعاون الخليجي.
حقيقة نحن في الخليج العربي نختلف مع إيران حول عدد من القضايا الأمنية والاستراتيجية والسياسية اختلافات جذرية وجوهرية كمسألة احتلال جزرنا الثلاثة أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، والعديد من القضايا الأخرى في اليمن والعراق وسوريا ونوايا تصدير التجربة السياسية الإيرانية بالإضافة إلى تطلعات التوسع والهيمنة السياسية والاقتصادية، لكن جميع ذلك لا يعني بأننا نقف مع ضرب إيران عسكرياً أو التعامل مع القضايا العالقة بيننا وبينها بالقوة العسكرية، فمثل هذه الأفكار مرفوضة جملة وتفصيلاً ولا يمكن التماهي معها والموافقة عليها لأن ذلك يشكل خطراً علينا في الحاضر والمستقبل، ولأن التعامل مع إيران بالقوة العسكرية سيشعل منطقة الخليج العربي في حروب مدمرة هي في غنى عنها.
إن ايران تجاورنا جغرافياً، وهذه حقيقة أزلية لا يمكن تغييرها، وإن تضررت بالحرب فإن دولنا ستتضرر بالحرب أيضاً، فنحن في المواجهة مع إيران ونتبادل المصالح معها لآلاف السنين.
إن صلب الموضوع في هذه المسألة هو أن العالم يواجه مشكلة حقيقية مع إيران تجاه برنامجها النووي رغم وجود جهود جماعية متكررة لحلها يقوم بها المجتمع الدولي ممثل في الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا وعدد من دول أوروبا الغربية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى هيئة الأمم المتحدة.
وصدرت حتى الآن مجموعة من قرارات مجلس الأمن الدولي تدين إيران وتفرض عليها عقوبات صارمة بسبب غموض الأهداف الحقيقية لبرنامجها النووي واستمرارها في عمليات التخصيب بنسب تفوق ما هو مصرح لها به دولياً، لكن أي من تلك الجهود لم ينجح نجاحاً مثمراً رغم الاتفاق الذي عقد في عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في فترة رئاسة دونالد ترامب.
إن المسألة في ظاهرها سياسية - دبلوماسية، لكن الإيرانيون ماضون في الدفع إلى الأمام ببرنامجهم النووي وإلى التشدد في مطالبهم وسلوكياتهم تجاه المجتمع الدولي.
وربما أن السبب في ذلك يعود جزئياً إلى عدم وجود موقف موحد وقوي بين أعضاء المجتمع الدولي الذين يتعاملون مباشره مع الملف النووي الإيراني، بمعنى أن كل طرف منهم يتعامل مع المسألة من زاوية مصالحه الخاصة أولاً وليس من زاوية مصالح المجتمع الدولي الجماعية.
ويبدو بأن إيران فهمت هذه اللعبة فهمت هذه اللعبة جيداً، فصارت تلعب على حبال القضية انطلاقاً من ذلك لكي تحقق أكبر قدر ممكن من المصالح.
إن مشكلة الملف النووي الإيراني معقدة وشائكة، لذلك فإن على المعسكر المتحالف مع الولايات المتحدة أن يدرك بأن أي عمل عسكري يوجه ضد إيران سيتسبب في الأذى الشديد لصالح العديد من دول المنطقة العربية والخليج العربي والعالم، وأية مشاكل حقيقية تحدث لإيران لن تحدث في فراغ.
وما نعتقده حقيقة ونؤمن به هو أن على المجتمع الدولي أن يسعى إلى إيجاد حل سلمي دبلوماسي لملف إيران النووي خال من الدمار والألم مضمون لإقناع إيران بالتخلي عن عسكرة ملفها النووي وسعيها نحو إنتاج أسلحة نووية.
وفي هذا السياق توجد مجموعة من الأسئلة الحائرة التي تحتاج الى إجابات يصعب إيرادها: فما هو الشكل الذي سيكون عليه موقف المجتمع الدولي في حال قيام إيران بامتلاك السلاح النووي؟ وكيف سيكون عليه الشعور بالأمن الوطني لدى دول مجلس التعاون الخليجي ودول العالم العربي وأوروبا وتركيا ودول وسط أسيا وشرقها القريبة من إيران؟ وغير وغير هذه توجد أسئلة أخرى كثيرة.