يتّفق عشّاق الكتب على أنهم ينجذبون إلى منظر الرفوف والطاولات التي تُعرض عليها الكتب. ويخضعون بشكل أقوى منهم لديناميكيات وقوة العين. أحياناً يقتنون كتباً تحت تأثير جمال أغلفتها الجلدية القديمة، أو الكرتونية البرّاقة، كما يقعون ضحايا للأغلفة الجذابة التي تشبه لوحات تشكيلية. هذا كله يحدث قبل قراءة العنوان واسم الكاتب ولون الكتاب الأدبي، وعلى هذا الأساس فإن الكتاب قيمة جمالية في حدّ ذاته.

نتفق هنا إذن أن بعض الكتب قد نكتفي باقتنائها لأنها جميلة، وهذا لا يزعجنا إلاّ نادرا، فعادة الكتب الجميلة التي نزين بها مكتباتنا مثل مجلّدات الشعر القديم، والموسوعات، قد تأخذ مكانا في مكتبة بيتنا دون حتى أن نقرأ منها صفحة واحدة. والغريب أن الذين ينجذبون لهذا النوع من الكتب قد نجد فيهم المتعلّم والأمّي، كون الجمال الجوهري المحتمل لموضوعاتها قد لا يعنيهم كثيرا بقدر ما تعنيهم اللذة أو المتعة البصرية.

هذا يعني أن بعض الفضاءات الجميلة قد لا تحتاج سوى لمجموعة من الكتب لتكتسب جوًّا رائعًا، وقوة ساحرة تجعلها تتميّز عن غيرها. من هذا الباب حافظ البعض على مخطوطات نادرة، بيعت بملايين الدولارات، لأشخاص لا علاقة لهم بالقراءة سوى أنّهم قيّموا جمالها ماديا، ورفعوا من سعرها لتبلغ مرتبة التحفة النادرة.

لكن أليس من الغريب أن يمتلك أغنى رجل في العالم وهو بيل غيتس أغلى مخطوطة في العالم وهي مخطوطة ليوناردو دي فنشي والتي كتبها بين عامي 1506 و1510؟

وهي تتألف من اثنتين وسبعين صفحة، وتجمع ملاحظات ومخططات علمية متعلّقة بالهيدروليكا أو علم الفلك والجيويلوجيا، وهي مكتبة بالمقلوب لذا لا يمكن قراءتها بدون الاستعانة بمرآة. وقد امتلكها أشخاص عدة خلال قرون إلى أن وقعت سنة 1994 في يد بيل غيتس وقد دفع ثمنا لها 38,8 مليون دولار. مثل هذه المخطوطة تعتبر ملكية خاصة اليوم، ويبدو أن غيتس يحتفظ بها لمتعته الخاصة، فيما تستغلّ متاحف كثيرة في العالم المخطوطات والطبعات القديمة للكتب لتحقيق مداخيل جيدة سنويا بسبب محبي هذا النوع من السياحة الثقافية.

أما كتاب "دون كيشوت دي لامانشا" لمؤلفه ميغيل دي سرفانتس فقد بيعت منه خمس مئة مليون نسخة منذ صدوره أول مرة إلى يومنا هذا. وهذا يعني أن أغلب المكتبات في العالم تحوي نسخة منه على الأقل، وفي عالمنا العربي نحب أن نزين مكتبات بيوتنا بمقدمة ابن خلدون ومجلّدات تراثية كثيرة، فمنظرها يعطي روحا للبيت حيث تتربّع.

أكثر هذه الكتب المقتناة نسبة مقروئيتها ضئيلة جداً، فهي في الغالب لا تثير فضول القارئ كما تفعل بعض كتب عصره. إنها كتب أسست لقاعدة علمية ما أو تاريخية إنسانية أو أدبية، ومع الزمن شكّلت لنفسها مسرحًا للعرض، وفتحت تصورا جديدا للثقافة والفن سمح لها بالوجود والاستمرارية عبر الزمن التاريخي.