لا يكفي أمين حزب الله اللبناني حسن نصر الله ما يعانيه لبنان من ضياع سياسي واقتصادي وأمني، ومن فراغ دستوري، وصراعات على اختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء وتشكيل حكومة بدلاً من حكومة تصريف الأعمال، لا يكفي عميل إيران الأول كل هذا، ومن انتشار الفساد والبطالة وهيمنة حزبه على مقاليد الأمور في البلاد، وإنما أخذ يهدد إسرائيل ويتوعدها على خلفية النزاع الحدودي إن هي بدأت في استخراج الغاز والنفط من المنطقة المتنازع عليها وهي كاريش، وأن حزبه مستعد لحرب مع إسرائيل بعد أن اتهم كل المسؤولين اللبنانيين، إما بالجهل في التعامل مع هذه القضية أو بالتآمر على لبنان.

يتحدث بهذه اللغة وتاريخه يدينه بأنه وحزبه من أوصل لبنان إلى ما هو عليه الآن، وقد أفسد كل حوار، وخرَّب كل تفاهمات، وهدد بالسلاح الإيراني الذي يمتلكه حزبه كل من يعارضه، أو يعطل مشروعه الفارسي في لبنان، ويأتي ليكرر على أسماع اللبنانيين أنه لا غيره الحارس الأمين على وحدة لبنان، والمحافظة على حقوقه، بينما هو لا غيره من باع لبنان، وعبث بمصالحه وجرَّده من كل فرص التعاون مع أشقائه العرب، وبالتالي حرَّمه من كل المساعدات والدعم والمساندة التي كانت تقدمه له المملكة وبقية دول الخليج العربية.

ولسنا في حاجة إلى تفاصيل ما آل إليه لبنان من ضياع بسبب حسن نصر الله وحزبه، (فها هو القاضي فيصل تكي يمتنع عن شرب الماء في وقت عمله كي لا يضطر إلى دخول الحمامات الخارجة عن الخدمة في قصر العدل في بيروت، فالحمامات لا تعمل والمياه مقطوعة، وأن قصر العدل يأكل العفن والرطوبة جدرانه، والمصاعد في حالة توقف بسبب انقطاع تيار الكهرباء، وهناك من عَلِق بالمصاعد، ومن استخدم السلالم وسط الظلام ومن بينهم قاضية قد كُسِّرت يدها من جراء ذلك، يضيف القاضي فيصل تكي: لا أوراق ولا حبر ولا أقلام ولا حتى ملفات تتوافر لمن يعمل في قصر العدل).

وفي لبنان لا يمكن استخراج جوازات سفر إلا بالقطَّارة منذ فترة طويلة بعد ما شارف مخزون الأمن العام من المستلزمات على النفاد، وعلى من يحتاج إلى إصدار جواز سفر الانتظار لفترة قد تصل إلى عام لحجز موعد لمعاملة جواز السفر، وكل هذا لأن سلطة حزب الله أقوى من سلطة الدولة، وسلاح الحزب الذي يهدد كل من يخالف سياسات الحزب أقوى كذلك من سلاح الجيش والأمن في لبنان، وبالتالي لدى حسن نصر الله القدرة على فرض إرادته وسياساته وتوجهاته على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين.

هناك استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية لانتهاء فترة ميشيل عون الذي كان لا يخرج عن طاعة حسن نصر الله وحزبه، وهناك استحقاق آخر لتسمية رئيس الحكومة وهو المنصب الشاغر الذي يعطِّل حزب الله عامداً متعمداً وبالتعاون مع رئيس الجمهورية اختياره، ما جعل البلاد في شبه فراغ دستوري، وسيكون في وضع أسوأ متى ما انتهت الأيام المتبقية من فترة الرئيس الحالي ميشيل عون، وتدخلت إيران في إفشال انتخاب أي رئيس لا يكون منسجماً مع سياسة حزب الله، وعلى علاقة طيبة مع سوريا.

ولهذا فإن ظاهرة اقتحام المصارف اللبنانية، للحصول على ودائعهم في البنوك، لا يخرج عن مجمل التداعيات السلبية للنفوذ الإيراني ممثلاً بحزب الله، ولن يكون هو آخر التطورات في عهد الرئيس ميشيل عون، بعد أن رأينا تفجير المرفأ وقتل الكثير من الأبرياء، وإصرار رئيس الجمهورية على التستر على الفاعل برفضه أن يكون التحقيق دولياً، ثم بتدخله بعزل قاضي التحقيق اللبناني تحت ضغط حزب الله الذي تدور الشبهات حول دوره في هذه الكارثة المروعة.

لبنان يحترق الآن، وهو متجه إلى كوارث مستقبلية، قد تكون إسرائيل وحزب الله طرفَي المعادلة فيها إذا ما قامت الحرب بينهما، دون أخذ موافقة أي طرف آخر أو التنسيق مع أي أحد، وسيكون حزب نصر الله هو المسؤول عن أي قتال جديد، إذا ما قامت الحرب بحسب التهديد الذي يتكرر في كلمات أمين حزب الله، دون أن يفكر بأن موازين القوى هي لصالح إسرائيل وأن نتائجها لصالح تل أبيب، كما كانت في كل الحروب السابقة التي كان هذا الحزب طرفاً فيها، وإن ادعى بانتصارات وهمية يُرضي بها أفراد حزبه ليزيل عنهم الأسى والألم على فقد أقربائهم وزملائهم.