لمن هم في جيلي وأكبر، لا أذكر أننا، في بلدان الخليج، عرفنا الشاورما ونحن أطفال صغار، ولكني أذكر أن مطاعم قليلة، ربما واحد أو اثنان، كانت موجودة في نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي في المنامة عاصمة البحرين، افتتحها أشقاء من بلاد الشام، لبنانيون وفلسطينيون بالدرجة الأولى، وسرعان ما غدت الشاورما من أشهر وألذّ أنواع «الساندويتشات».

لم تكن الشاورما وحدها ما نقله أهل الشام لبلداننا. نقلوا أيضاً التبولة والمتبل والحمص المهروس والزعتر وغيرها.

غالبية ما اطلعت عليه من مصادر تشير إلى أن الشاورما ظهرت في فترة الدولة العثمانية، يوم كانت بلدان عربية مشرقية منضوية تحتها، ومن تركيا انتقلت إليها، وبالتأكيد فإن الأمر يقتضي المزيد من التقصي في جذور هذه الوجبة الشهية، المعمولة من لحم البقر أو الضأن أو من الدجاج، وقرأت أن مفردة «شاورما» هي تطوير أو تحوير لمصطلح «شاه أروما» الذي لا نعلم ما المقصود به بالضبط.

اخترت لمقالٍ سابق لي، نشر في هذا المكان قبل أعوام، عنوان «الطعام أيضاً يهاجر»، عرضت فيه لما يمكن وصفه بـ«عولمة الطعام». فلم تعد وجبات أي بلد متاحة فقط فيه، وإنما باتت تهاجر، هي الأخرى، إلى مختلف بلدان العالم، وطبيعي أنه مع اتساع نطاق الهجرات وانتقال أعداد هائلة من المهاجرين إلى مجتمعات أخرى، أن تتسع هذه الظاهرة، لأن هؤلاء المهاجرين ينقلون معهم وجباتهم، لا لكي يحضروها في بيوتهم فقط، وإنما ليفتحوا مطاعم تقدّمها، وسنرى أن هذه الوجبات ستنال أيضاً إعجاب السكان الأصليين في المجتمعات التي قصدها هؤلاء المهاجرون.

إلى بلد أوروبي كبير مثل ألمانيا، نقل المهاجرون الأتراك ساندويتشات الشاورما. وحسب بوابة «دي. دبليو» الألمانية فإن المهاجر التركي قدير نورمان، المتوفى في برلين عام 2013، هو أول من افتتح محلاً لبيع الشاورما قبالة محطة للقطار، وسرعان ما أصبحت الوجبة المفضلة لدى الألمان، أما سرّ النجاح فهو أنها: «رخيصة السعر وسريعة التحضير ولذيذة الطعم»، حتى أن الألمان يصفون عاصمتهم بـ«مدينة الشاورما»، وهو اللقب الذي انتزعته منها مؤخراً مدينة دريسدن.

لا بأس لو عرفنا أن المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل كانت من بين عشاق الشاورما، حيث تفضلها من دون بصل وبصلصة الأعشاب.