تؤكد عديد من الدراسات أننا نعيش في عالم يتزايد فيه التعقيد، وعدم اليقين، والتغير السريع بفعل التقدّم التقني الهائل وما تبعه من تطوّر في أنظمة المحاكاة والروبوتات والذكاء الاصطناعي، والنتيجة أن هذا التسارع التقني سيعجّل من وتيرة التحوّل في كثير مما نعرفه من أنشطة صناعيّة وتجاريّة وحتى على مستوى العلاقات الثقافيّة والاتصال الإنساني، الأمر الآخر أننا سنشهد تبعاً لذلك تحوّلات واضحة في مراكز القوّة خاصة القوّة الاقتصاديّة العالميّة مع ظهور اقتصادات صاعدة بحيويّة الشعوب وتدفق الابتكار، وأخرى ستتراجع بسبب شيخوخة النظم، والسكان، والعجز عن المواصلة في السباق العالمي نتيجة ضعف الزخم الحضاري والصناعي وقبلهما الإبداعي.

وهذا الوضع سيقود التغيير بشكل كبير ويؤدي إلى تحوّل هائل في ماهيّة النشاط الإنساني، وشكل الوظائف وبطبيعة الحال نمط الأعمال ومن دون شك سيكون على رأس التغيّرات شكل المشهد السياسي الدولي، وهذه الافتراضات تدعمها مقدمات تقول إن معالم ضعف وصعود القوى العالميّة (الأقطاب) تحدّده عوامل كثيرة على قمتها التحدي والمنافسة، ومن هنا يمكن القول إن فقدان الولايات المتحدة لميّزة الاستفزاز والتحدي مع انهيار الاتحاد السوفيتي لم يسهم في زيادة قوتها، بل في زيادة هيمنتها، ونفوذها، وبالتالي مسؤولياتها، ونفقاتها، هذا "الحمل الهائل" قاد إلى نتائج كارثيّة في الداخل الأميركي وفي بقاع كثيرة في العالم، وما تجرؤ بوتين على مهاجمة أوكرانيا وهي الحليف المدلّل للغرب، وقبل ذلك مشهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس 2021 إلّا مؤشرات واضحة على بداية حقبة ونهاية أخرى وإن أخذت بعض الوقت.

ويكشف مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة (CSIS) في تقريره عن مستقبل النظام الدولي (أغسطس 2021) أن النظام الدولي يتقدم نحو مفترق طرق على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وقد تسارعت الخطوات في السنوات الأخيرة وعادت الولايات المتحدة إلى حالتها التاريخيّة المتمثلة في الانكماش، وتقدمت الصين متحدّية النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة ومهدّدة وجود الأميركيين وحلفائهم في المحيطين الهندي والهادئ.

سيكون شكل العالم وكذلك السياسة في العالم مستقبلا متغيرا ككل شي حولنا، السؤال: من يدرك ويستعد؟ يقول "ستيفن والت" وهو يحلّل شكل العالم في المستقبل 2050 لمجلة "فورين افيرز": في عام 1978، كان الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو يمثلان النديّة، وكان يمكن للناس التدخين في الطائرات وفي المطاعم وفي معظم الأماكن العامة، لم يكن هناك يورو، ولا شبكة إنترنت عالميّة، ولا هواتف محمولة، ولا خدمات بث رقمي، وحتى القرص المضغوط كان لا يزال غير معروف، وكان دخل الفرد في الصين 165 دولارًا فقط سنويًا، واليوم نحن نعيش في عالم مختلف.

قال ومضى:
ما أسوأ من فقدان الحريّة؟... إساءة استخدامها حينما تتاح.