يعتقد بعض الناس، أن بيئة العمل، بيئة مناسبة لإنشاء الصداقات، وبناء علاقات اجتماعية قوية، والحقيقة أنه حتى ولو تحققت هذه الغاية للبعض، فإن بيئة العمل تبقى ذات وظيفة بعيدة تماماً عن الروابط الاجتماعية، وإن كانت هناك دعوات تحث على أن تكون بيئة العمل بيئة جاذبة، تتسم بالدفء والعلاقات الإنسانية، إلا أنها تبقى مكاناً محكوماً بالإنتاجية ومتطلبات العمل نفسه.

نحن لا نذهب لوظائفنا من أجل الالتقاء بالصحب وتمضية الوقت، ولا من أجل التجول من مكتب إلى آخر، والالتقاء بالزملاء والتحدث معهم عن هموم الحياة، وألذ الأطعمة في المطاعم والمقاهي، وأين قضينا إجازتنا السنوية، وأفضل الفنادق والمنتجعات، بل من أجل القيام بالواجب الوظيفي المناط بنا، والذي بسببه نحصل على المردود المادي نهاية الشهر، أما أن يعتبر الموظف ساعات العمل، ساعات ترفيه، يمضيها بين المكاتب، والضحكات تتصاعد، والنقاشات تتعالى، والمعاملات على مكتبه مضى عليها عدة أيام لم تنته، أو «تكدست الإيميلات» غير المقروءة بحجة أنه لا يجد وقتاً، هذا ببساطة متناهية يسمى إهمالاً وظيفياً.

الجدية الوظيفية، لا تعني بيئة عمل قاسية، بل تعني القيام بالأولويات التي تتطلبها مهام الوظيفة، تعني منح هذا المكان الذي نمضي فيه نحو ثماني أو تسع ساعات، ما يتطلبه من عمل، وفق مهام وجدول الوظيفة، فهو في المقام الأول، ليس الموقع المخصص لبناء علاقات أو تكوين صداقات جديدة. والذي يظهر أن هناك خلطاً بين السعادة الوظيفية التي تهدف إلى زيادة الفعالية وتقوية الحضور المهني والشعور الإيجابي في مكان العمل، والترفيه والتسلية، فالسعادة الوظيفية تستهدف، تنمية الأعمال وتطويرها، وليست معنية بتقوية العلاقات الشخصية أو الإصلاح الاجتماعي، مهمة السعادة الوظيفية، أن تنعكس على بيئة العمل وتسهم في الأداء الأمثل. بعض الجهات الوظيفية، تقوم بعمل أنشطة ترفيه لمنسوبيها خارج أوقات العمل، مثل عشاء أو رحلة ترفيه... إلخ.
وهذه قد تكون مناسبة لتقوية تلك العلاقات البينية بين الموظفين، ولتتطور هذه العلاقات وتنمو بشكل طبيعي خارج أوقات العمل، لترتد بشكل جميل وإيجابي في موقع العمل، لكن يجب ألا نخطئ قراءة وفهم السعادة الوظيفية، لأنها لن تكون على حساب الجودة، والإنتاجية، والانضباط، والمهنية.