"لا نجاح مثل الفشل"، يقول بوب ديلان الشاعر والمغني الأميركي الحائز جائزة نوبل في الآداب. ولا فشل من دون شيء من النجاح، كما ظهر في الجلسة النيابية الإنتخابية التي كانت مصمّمة لتحقيق أهداف عدة ليس بينها إنتخاب رئيس للجمهورية. فالجلسة الفاشلة في الإنتخاب "نجحت" في إعطائنا درسين: أولهما "هركلة" المطلب العزيز على اللبنانيين، وهو "لبننة" الإستحقاق الرئاسي، بحيث رأينا مشهد برج بابل على أيدي التركيبة السياسية عندما تكون حرّة في الخيار من دون "وحي" خارجي أو داخلي. وثانيهما أن لبنان المحكوم بقوّة السلاح خارج الشرعية التي تغطّيه مقابل المناصب والمكاسب، محكوم أيضاً بنوع من "ديكتاتورية الأقلية".

كيف؟ عبر التوازن السلبي على الرغم من الخلل في موازين القوى بين طرف مسلّح وآخر سلاحه الدستور. توازن القدرة على تعطيل الإستحقاق الدستوري حين يكون كل طرف عاجزاً عن إيصال مرشحه الى القصر. والسبب هو فرض أكثرية الثلثين كنصاب في كل جلسة، خلافاً لآراء الخبراء في القانون الدستوري. والخلاف، في الشكل، هو بين المصرّين على "رئيس التوافق" والمصرّين على "رئيس التحدي". لكن المشكلة، في الجوهر، هي غياب التوافق الوطني حتى عندما يكون هناك توافق سياسي، ومحدودية التحدي حين يبقى سجالات على أطلال مؤسسات الدولة ومن فوق رؤوس المحكومين.

ذلك أن المفارقة كبيرة بين تكبير المطلوب من رئيس الجمهورية والشكوى من قلّة صلاحياته. وهي أكبر في الواقع الذي صار عليه لبنان، بحيث نسمع يومياً تذكير الذين يتمسّكون بالحفاظ على هوية لبنان وطبيعة موقعه الجيوسياسي بأن لبنان تغير والمنطقة تغيرت، فانسوا لبنانكم وتكيّفوا مع لبنان آخر. فماذا يفعل رئيس التوافق المقيّد بشروط الأطراف وحساباتها، ورئيس التحدي المؤيد من طرف واحد؟ وهل دقت الساعة للنزول من فوق الأشجار العالية مع رئيس التوافق ورئيس التحدي؟

هناك من يتصوّر أن من الممكن التفاهم على معادلة قوامها: رئيس توافقي يواجه التّحدي أمام لبنان. وما يسهّل الأمر هو "تجزئة المشكلة" كما كان يقول ماوتسي تونغ. وما دام سلاح "حزب الله" هو المشكلة في رأي فريق والحل عند فريق آخر، فإن التجزئة تبدأ من التسليم بأنه لا حل في الوقت الحالي للسلاح. والممكن هو الفصل بين السلاح والدور والقرار. السلاح الذي يواجه إسرائيل تحتويه إستراتيجية دفاعية تحدّد من وكيف يتم قرار استخدامه، أما الدور الإقليمي لـ"حزب الله"وسلاحه، فإنه يضرّ بالبلد وعلاقاته العربية والدولية ولا بدّ من التخلي عنه. لكن هذا تفكير رومانسي. فالدور المحلي والإقليمي لـ"حزب الله" وسلاحه هو مبرر وجوده في إطار العمل للمشروع الإقليمي الإيراني. والقرار ليس محلياً.

يقول الشاعر الكردي شاركو بيكه: "حلمنا كان قصيراً، وميناء المدنية طويل". وحالنا في الرئاسة أن الوقت قصير والطريق طويل.