يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نصّاً: «سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة، أنتم رائعون، تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن هناك شيء واحد لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، أن ندفع 4 أضعاف سعر الصناعة لديكم.. ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة».

ومع ذلك فقد ذهبت كلمات الرئيس الفرنسي أدراج الرياح ولم تكلف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عناء الرد على أصدقائها الفرنسيين، الحليف التاريخي لواشنطن، بل إن تمثال الحرية الذي يطل على نيويورك ما هو إلا هدية من الأصدقاء الفرنسيين. بل إن «الأصدقاء الأمريكيين» طعنوا الفرنسيين بخنجر في الظهر عندما ضغطوا على الأستراليين لإلغاء عقد دفاعي مع شركات فرنسية لبناء غواصات وقامت شركات أمريكية بتوقيع عقد بديل، وتوصيف الطعنة في الظهر ليس توصيفنا، بل هذا ما قاله وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان، التصريحات التالية للأمريكيين كانت مستفزة وتستخدم لغة خشبية كانت صفعة أخرى للفرنسيين. مناسبة هذا الحديث حالة الهستيريا التي أصابت بعضاً من الطبقة السياسية الأمريكية بعد قرار أوبك بلس خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل. وتحولت الولايات المتحدة إلى طفل مراهق يظهر أسباباً لا عقلانية لإدانة تجمع أوبك بلس وعلى الأخص المملكة العربية السعودية.

واشنطن لا تريد أن تفهم المنطق السعودي وهي تعطل لغة العقل في التعامل المصالح السعودية. ترى الإدارة الأمريكية أن على دول الأوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تعمل لتحقيق المصالح الأمريكية بغض النظر عن مصالحها. تريد واشنطن زيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط والتسويق للإدارة الديمقراطية على أعتاب انتخابات التجديد النصفي، كما تريد إدارة بايدن أن تنخفض أسعار النفط حتى يضرب ذلك الاقتصاد الروسي، أما خطط التنمية في الدول المصدرة للنفط ونقص التمويل الذي يمكن أن يصيب برامجها الاقتصادية والاجتماعية، فهذا يقع في ذيل اهتمامات واشنطن. المنطق السعودي بسيط للغاية ويقوم على ثلاثة ركائز أساسية: المملكة العربية السعودية ليست جزءاً من الصراع الغربي ـ الروسي، وهي ترى أن هذه الحرب تؤثر سلباً على الأمن والاستقرار، والمملكة سعت وتسعى بجهود مباشرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للدخول على خط الوساطة بين موسكو وكييف، وقد نجحت في الإفراج عن بعض الأسرى ومنهم مواطنون أمريكيون، أما الركيزة الأخرى فهي أن المملكة تأخذ مسافة واحدة من كافة الأطراف والبوصلة في ذلك هي مصلحة السعودية والسعوديين، وبالتالي لا يحق لأحد أن يطالبها بأن تضرب بمصالحها عرض الحائط خدمة لمصالح أطراف أخرى، الركيزة الثالثة فهي فهم الرياض لطبيعة العلاقة مع واشنطن وهي علاقة استراتيجية كما جاء على لسان كبار المسؤولين السعوديين، ولكنها في الوقت عينه هي علاقة الند للند، فإذا كانت واشنطن تبحث عن مصالحها كما في الاتفاق النووي الإيراني أو إلغاء تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية أو في رفع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، فيصبح من حق الرياض أن تبحث عن مصالحها في شبكة من العلاقات مع مختلف الأطراف وتتعامل مع سلعة استراتيجية كالنفط من منطق مصالحها.

العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية هي علاقة استراتيجية يجب أن تقوم على التفهم المشترك لمصالح كل طرف وأن تكف واشنطن عن التعامل كمراهق أهوج لا يرى إلا ذاته ومصالحه ويريد من الآخرين العمل على خدمتها بغض النظر عن مصالحهم!