في الخامس من أكتوبر الحالي قرر تحالف أوبك بلس خفض الإنتاج اليومي من النفط وذلك بواقع مليوني برميل عن كل يوم، وهذا يمثل ما نسبته 2 % من حجم الإنتاج العالمي اليومي من النفط، وقد تم ذلك بموافقة جماعية من التحالف الذي يضم دول أوبك وعددها 13، بالإضافة إلى 10 دول متحالفة معها من خارجها، وبما مجموعه 23 دولة، ووفق صحيفة وول ستريت جورنال، فقد كانت إدارة بايدن تأمل في تأجيل الخفض حتى نهاية نوفمبر المقبل، أو بعد الانتخابات الأميركية النصفية في مجلسي النواب والشيوخ، أو أن يكون التخفيض بمعدل مليون برميل وليس مليونين، وبما يضمن عدم ارتفاع أسعار النفط وتأثر المواطن الأميركي، وبطبيعة الحال، تراجع حظوظ الديموقراطيين في التجديد النصفي بعد نحو أسبوعين.

قرار خفض الإنتاج في الشهر المقبل لا يعني أنه سيتراجع بمعدل مليوني برميل، والمفروض أن الانخفاض لن يزيد على مليون برميل في اليوم، ومن الأمثلة، أن كازاخستان سقف إنتاجها اليومي مليونان وسبع مئة وستة آلاف برميل في اليوم، والمطلوب تخفيضه إلى مليون وست مئة وثمانية وعشرين برميلا، ولكنها في الواقع وقبل الخفض في أغسطس لم تنتج إلا مليونا ومئة وستة وتسعين ألف برميل، ما يعني أنها لم تستفد إلا من خمس مئة وعشرة آلاف برميل من الحصة المقررة لها قبل التخفيض، حتى روسيا نفسها أنتجت في الفترة ذاتها أقل من حصتها المقررة في نوفمير، والثابت أن معظم الدول تترك فجوة بين حصتها وإنتاجها الفعلي، وبما يتجاوز نصف مليون برميل يومياً.

الذي أثار إدارة بايدن في قرار تحالف أوبك بلس هو توقيته، لأنه يتزامن مع الانتخابات الأميركية النصفية في الثامن من نوفمبر المقبل، وفيه سينتخب أعضاء مجلس النواب بالكامل وعددهم 435، ومعهم 35 عضوا من مجلس الشيوخ، وفي الوقت الحالي يسيطر الديموقراطيون على الأغلبية في المجلسين، ولكن من غير المستبعد أن يخسروها، فاستطلاعات الرأي تشير إلى تساوي الفرص بين الحزبين، وبالتأكيد الأخبار والأحداث المهمة قد ترجح كفة حزب على آخر، وتحديدا في الولايات المتأرجحة التي ارتفعت فيها أسعار البنزين، والإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن 37 % من الأميركيين تتأثر قراراتهم الانتخابية بالأسعار وبالأحوال المعيشية.

التلويح بقانون (نوبك) الذي يستهدف إلغاء الحصانة السيادية لدول أوبك، وبالتالي تمكين الأميركيين من رفع دعاوى ضدها في المحاكم الأميركية بتهمة التلاعب في أسواق النفط، لن يفيد كثيرا، لأن مشروع القانون قدم 16 مرة طوال 12 عاما منذ عام 2000، وتجاوز اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ أربع مرات قبل أن يتجاوزها للمرة الخامسة في يونيو 2022، ولم تنجح إدارات جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترمب في تمريره، ولا أتصور أن بايدن سينجح، والسبب، استنادا لما نشرته وكالة رويترز في 2019، أنه سيضر أميركا بدرجة أكبر من غيرها، وسيجعل الدول النفطية المتعاملة معها تبيع نفطها بعملات غير الدولار، بجانب تصفية استثماراتها وبيع سنداتها الأميركية.

الأميركيون بالتالي ليس بيدهم إلا أن يتعايشوا مع القرار، ولعل أفضل وسيلة لتخفيف آثاره تبدو في استخدام الاحتياطي الاستراتيجي من النفط الأميركي لتجاوز الأزمة، ومواصلة ضخ مئة مليون برميل منه في اليوم الواحد، رغم أنه تراجع بنسبة كبيرة ووصل إلى مستويات لم يعرفها منذ 1984، والعجيب أن وزارة الطاقة الأميركية، قبل قرار أوبك بلس، حاولت إقناع مصافي أميركا بعدم تصدير الوقود إلى الخارج، وإبقائه في السوق المحلي، وأن ترفع مخزوناتهم منه لخفض أسعاره، إلا أنها اعترضت، فلماذا يقبل الآخرون ما رفضه الأميركان، واللافت أن أسعار الغاز الأميركي المصدر لأوروبا، خلال العام الجاري، ارتفعت بنسبة 97 %، وفي المقابل، لم ترتفع أسعار النفط إلا بنسبة 29 %، شاملة الارتفاع بعد قرار خفض الإنتاج.

قرار تحالف أوبك بلس اقتصادي بالكامل وبلا روابط سياسية، ويخدم مصالح الدول المنتجة، ومن الأدلة الثابتة، أن وزارة المالية السعودية، وضعت قي تقديراتها لموازنة 2023، أن الإيرادات النفطية ستصل إلى 200 مليار دولار، على أساس أن سعر النفط سيكون في حدود 76 دولارا للبرميل، وبما يضمن فائضا في الموازنة يصل إلى مليارين وأربع مئة مليون دولار، ما يعني أنه من المصلحة السعودية استمرار أسعار النفط فوق 80 دولارا للبرميل، بالنظر إلى أن التوقعات تشير إلى دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود صعبة، وإلى انخفاض عالٍ في الطلب على النفط الخام، والمملكة وقفت على الحياد من الأزمة الأوكرانية من البداية، وقدمت لشعب أوكرانيا وحكومتها مساعدات إنسانية بقيمة 400 مليون دولار، وصوتت لصالح الأوكران في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوسطت في ملف أسرى الحرب بين أوكرانيا وروسيا، ومن غير المقبول المزايدة على دورها ومواقفها، أو إسقاط اتهامات متخيلة عليها لأغراض انتخابية خالصة.