الخيانة هي جريمة عالمية لم تتباين فيها الاختلافات الاجتماعية، قاتلة للقيم السليمة وضاربة بها عرض الحائط، من خيانة الوطن وخيانة الأمانة إلى أكثر الخيانات إشكالية: الخيانة الزوجية، وتختلف المعايير الأخلاقية من مجتمع لآخر، وتتداخل الاتهامات، وغالباً ما يقع الباحث الاجتماعي والنفساني في مطب الحيادية، إلا أن من أعقد ظواهر الأمراض السلوكية: الخيانة، فهي خطيئة تتسم بالظلم، والظلم هو الأقسى والأعنف في استفزاز العواطف الإنسانية، وهي معصية في شتى الكتب والأديان والعلوم الإنسانية أولاً، وانحراف سلوكي ثانياً، وهي أقوى سلاح ضد الثقة من الممكن أن يمتد تأثيره حتى بعد إدانة الخائن ومحاسبته.

الخيانة في العرف هي مخالفة لاتفاق ما بين طرفين، سواءً كان الاتفاق واضحاً ومنصوصاً عليه أو ضمنياً متعارفاً عليه، ويستوجب هذا الاتفاق من أطرافه التحلي بقيم عليا كالوفاء والصدق، والمحافظة، والرعاية للطرف الآخر، وتكون عادة بين طرفين يفترض أن تكون بينهما صلة وثيقة، ورابطة عميقة تبعث على أن يرعى أحدهما الآخر، ويصون وجوده ومشاعره وكيانه، ما يجعل فعل الخيانة أمراً مستنكراً وغير متوقّع بينهما.

سيكولوجية الخائن مبنية على التنازع دوماً والرغبات الهشة، لذا كان الخائن موضع تحقير من قِبل كل من تأنف أنفسهم هذا الفعل حتى لو ساندهم بفعل خيانته، وهذا مثلما حدث مع نابليون بونابرت الإمبراطور الفرنسي الذي خاض معارك عديدة إلى أن استعصت عليه النمسا وخرج منها بهزيمة فادحة في معركة آسبرن، فبدّل الإمبراطور من خططه النزالية إلى خطط استخبارية، وأمر جنوده بالبحث عن جاسوس يساعدهم على اقتحام المنطقة. وبعد البحث تم اختيار رجل نمساوي يشتغل بالتهريب، ويعرف الحلقة الأضعف في الحدود النمساوية، فدل الجيوش الفرنسية إلى الطريق المثالي لاقتحام المنطقة.

كانت هذه الخيانة والمعلومات الذهبية مقابل حفنة من المال، وعندما تم النصر لنابليون بفضل هذه المعلومة القيمة، أراد ذلك الدليل مصافحة نابليون الذي رفض مصافحته وألقى إليه صرة من المال قائلاً: (يد الإمبراطور لا تصافح الخونة)! وإزاء استغراب جنوده من تصرفه قال لهم: (الخائن لوطنه كالسارق مال والده ليطعم به اللصوص، فوالده لن يسامحه واللصوص لن تشكره).

ومن أكثر القوانين المثيرة للسخرية في بريطانيا هذا القانون الذي يتهم بالخيانة الوطنية كل بريطاني يلصق طابعاً بريدياً بشكل مقلوب، حيث إن الطابع البريدي يحمل صورة رأس الملكة، وفي لصقه بالمقلوب تقليل من شأنها، لذا يعد خيانة وطنية، وكما هو معروف فإن طوابع البريد البريطانية قد حملت الرؤوس الملكية البريطانية منذ ابتكارها وتداولها عام 1840م.

في عالم الترجمة من لغة إلى لغة يوجد نوع من الخيانات؛ فلقد اعتاد الناس على احترام الأمانة في نقل القول من طرف لآخر، ولطالما مثّلت اللغة للإنسان الطريق الحميم للتواصل مع الآخر، والجسر الوحيد للتعبير عن حاجاته. ولكنّ السؤال الذي يطرحه كثير من المترجمين هو: هل الأمانة ممكنة أصلاً في الترجمة؟ ويجيب معظم المهتمين بالترجمة عن سؤال إمكانية الأمانة بأنّ شيئاً من الخيانة في الترجمة هو أمر لا بدّ من حدوثه في أثناء نقل النصِّ من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف، لأنَّ انتقال النصِّ بين لغتين لا يعني انتقاله في اللغة وحسب، بل يعني انتقاله إلى ظروف حضارية وثقافية وفكرية أخرى مختلفة عن الظروف في اللغة الأولى، ما يؤدي إلى ظهوره في شكل مختلف عن شكله الأصلي.

وفي المثل الروماني يقال: إذا خانك أحدهم مرة، فالذنب يقع عليه، أما إذا خانك مرتين فأنت المذنب. ويقول كمال النجار: أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر!