نظراً لأهمية البيئة وارتباطها بمفهوم الاستدامة، وأثرها في استمرارية جودة حياة الشعوب، كان لا بد من عقد سلسلة من المؤتمرات الأممية للوصول إلى اتفاقيات تعزز أطر التعاون الدولي البيئي والحد من الأنشطة الضارة من خلال سن القوانين الرادعة ونشر الثقافة البيئية.
العالم اليوم لم يعد كما كان في السابق بعد أن تضاعف عدد سكان الأرض خلال القرنين الماضي والحالي، والذي شارف على بلوغ الـ 8 مليارات نسمة، وما صحبه من ثورة كبيرة في عالم الصناعة واستنزاف الموارد الطبيعية، لذلك تداعت الأمم المتحدة بإصدار وثيقة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وضرورة اللجوء إلى استخدام الموارد الطبيعية المتجددة والتدوير واستخدام التكنولوجيا المتقدمة بهدف الحد من تدهور البيئة والمحافظة عليها في آن واحد.
اهتمام الأمم المتحدة بدأ مع مؤتمر استوكهولم عام 1972 في السويد، الذي حددت فيه المبادئ الأساسية للحفاظ على البيئة وإنشاء البرنامج الأول للبيئة البشرية، هذا المؤتمر لم يحقق النتائج المرجوة منه، لذلك كان من الضرورة عقد مؤتمر آخر بعده بعشرين عاماً في عام 1992 في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل الأكثر صيتاً، الذي تمثل بحضور 172 دولة وقعت فيه على ثلاث اتفاقيات رئيسة، لكن للأسف مصيره لم يكن أفضل حالاً من مؤتمر استوكهولم بعد أن تملصت الدول الصناعية الكبرى من التزاماتها البيئية رغم أنها المسؤولة عن حالة تردي جودة البيئة والهواء على كوكب الأرض.
هذه الحال انجرت إلى مؤتمر باريس 2015 رغم ما صدر من قرارات شكلت إضافة ونقلة نوعية في العمل البيئي الدولي، لكن مرةً أخرى كان لبعض الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة رأي آخر، بحيث لو التزمت تلك الدول الكبرى بتطبيق القرارات التي أوصى بها المؤتمر لما وصلت حال كوكب الأرض إلى ما هي عليه الآن.
محاولات الأمم المتحدة لم تقف عند ذلك الحد بل إنها استمرت في سعيها من أجل تخفيف الأضرار البيئية الناجمة عن سوء استغلال الموارد الطبيعية، فكان مؤتمر غلاسكو للمناخ ومؤتمر شرم الشيخ علامة تحول لأوجه جديدة في التعاون الدولي فيما يخص توحيد الجهود نحو سياسات وإجراءات تقلل من حالة تدهور البيئة والمناخ خصوصاً بين الدول الفقيرة الأكثر تضررا، لذلك اتخذت قراراتها نمطاً من التعاون الدولي، إذ أوصت الحكومات المشاركة بتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار في المشاريع البيئية وتقديم مساهمات مالية تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها للوصول الى مرحلة التعافي.
هذان المؤتمران وبالرغم من عدم توقيع معاهدات ملزمة فإنهما نجحا في دق ناقوس الخطر بضرورة دعم رؤوس الأموال وتوجيهها إلى شعوب الدول الفقيرة التي تدفع فاتورة كبيرة على حساب مواردها الطبيعية نيابةً عن الدول الصناعية الكبرى.
ارتفاع درجة الكوكب حقيقة لا يمكن نكرانها، وإن ظلت النشاطات الصناعية والعبث بالموارد المادية دون تعاون دولي فسينجر العالم إلى المزيد من الكوارث الطبيعية كالفيضانات وحرائق الغابات والتصحر والأعاصير وما يترتب عليها من استحالة استمرار الحياة بالجودة ذاتها، وإلى نقص كبير في موارد المياه وارتفاع نسبة الغازات الضارة في الهواء.
هذه النتائج حتماً ستؤثر على مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والنتيجة الطبيعية التي ستقود إلى صراعات ومجاعات تجتاح معظم الشعوب الفقيرة، فالصراع القادم سيكون صراع بقاء، والكويت ورغم صغر حجمها الجغرافي فإنها لم تتخلَّ عن التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، كما أن حضورها كان متميزاً في تلك المؤتمرات ناهيك عن التزامها الإقليمي والوطني.
التعامل مع القضايا البيئية قد لا تحصد نتائجه بين ليلة وضحاها وقد لا تظهر بعض نتائجه لفترة من الزمن، وكل هذا وذاك لن يحصل إلا من خلال تضافر الجهود، وتكثيف برامج التوعية وتطبيق قوانين رادعة، وفهم أكثر لدور البيئة وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية.
الكويت مقبلة على نهضة اقتصادية، وهذا الأمر يتطلب فهماً أكثر لطبيعة علاقة البيئة بالتنمية المستدامة، ولأجل ذلك لابد من بناء مفهوم الثقة والشفافية عند تطبيق القوانين البيئية بالتزامن مع خريطة إرشادية عند إقامة أي نشاط يرتبط بالبيئة.
ودمتم سالمين.
التعليقات