علاقة الإنسان بالحيوان علاقة قد تكون فطرية بحسب رأى بعض العلماء، ففي عام 2013 أكّدت الباحثة في علم النفس فينيسيا لوب أن الانجذاب الى الحيوان يُعتَبَر ميلًا فطريًا مُلازمًا لطبيعة الإنسان، والدليل على ذلك ـــ كما تقول ـــ أن الأطفال من عمر السنة الى ثلاث سنوات يَسعَدون بالتواصل مع الحيوانات الأليفة، أكثر من الّلعب بالدمى التي بحوزتهم، كما أثبتت الفحوص الإشعاعية المتطوّرة أن دماغ الإنسان يَمتَلك خلايا عصبية مُتَخصّصة بمراقبة حياة الحيوان، وهذه الخلايا متمركزة في منطقة اللوزة الدماغية Amygdada الخاصّة بالمشاعر، كما جرى العثور على قاعدة عصبية مُهمّتها تسجيل الانفعالات العاطفية التي تولّدها رؤية الحيوانات الأليفة تمامًا كرؤية الأطفال.

لمنطقة الخليج بشكل عام تاريخ حافل مع الحيوانات، سواء الإبل والتي كانت وسيلة للمواصلات قديمًا، أو الماعز والخراف وهي بمنزلة مصدر غذاء رئيسي اليوم كما في السابق، إضافة الى الكلاب التي كانت تؤمِّن الحراسة اللازمة.

تغيّر الزمن ولم تَتَغيّر علاقة أهل الخليج بالحيوانات، لكنها تحوّلت من علاقة منفَعَة بحتة الى علاقة أُلفة ومحبة، ففي الكويت مثلًا يكاد لا يخلو بيت اليوم من حيوان أليف، كلب أو قطة أو طيور أو غيره، وأصبحت الشاليهات والمزارع تَحتَضن أعداداً كبيرة منها لأهداف مختلفة، إلى أن ضربَت «كورونا» العالم واضطر بعض المزارعين وأصحاب المواشي للاستغناء عن بعض تلك الحيوانات خاصة الكلاب التي أصبحت تهيم في المناطق السكنية يفترسها الجوع والخوف، ومعها بدأت مشكلة الكلاب الضالّة في الكويت تأخذ بُعدًا آخر، وبدأ معه الصدام بين الهيئة العامة للزراعة وبين جمعيات الرفق بالحيوان.

في يونيو الماضي نشرت القبس تقريرًا حول استنكار ناشطين لطريقة التخلّص من الحيوانات الضالّة التي رأوا فيها جريمة تَتَعارض مع أدنى مقومات الرحمة والإنسانية، وبأن الرفق بالحيوان دليل على التحضّر والإنسانية بل وإن الدين يأمر بإطعام الحيوانات والطيور، وعدم تعريضها للجوع والعطش، فما بالك بالقتل والتعذيب.

في يونيو من عام 2019، أي قبل أن تستفحل ظاهرة الكلاب الضالّة مع «كورونا»، خرجَت مظاهرة في الكويت للدفاع عن حق الكلاب في الحياة، وأطلقوا إثرها حملة موسّعة انتقدوا عِبرَها قيام الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية بتسميم عدد من الكلاب الضالّة بعد أن تعدّت على بعض المواطنين، وقد ناشَدَ المُحتَجّون الدولة بضرورة الاستعانة بتجارب دول أوروبية تُعيد تدوير أنابيب الصرف الصحي القديمة وتَصنَع منها أماكن خاصة بتقديم الطعام لتلك الحيوانات.

هنالك طرق مختلفة استخدمتها دول عدّة لمعالجة التكاثر العشوائي للحيوانات الضالّة منها عمليات الإخصاء، واستخدام أطواق التهدئة وفتح المجال لجمعيات التبنّي ودعمها، لكن نادرًا ما كان التسميم أحد الحلول لأسباب إنسانية ودينية كذلك.

اليوم ومع ازدياد أعداد المواطنين الذين يقتنون كلابًا أو قططًا أو طيورًا، أصبحنا بحاجة الى تَفعيل قوانين حماية حقوق الحيوان مع الحرص على إيجاد حلول سليمة وإنسانية للتعامل مع التي ثَبَت إصابتها بأمراض معدية أو أوبئة أو أنها سبق أن شكّلت خطرًا على الناس أو تهجّمت على أطفال، حيث يتم اللجوء هنا الى عملية القتل الرحيم بدلًا من التسميم.

اليوم يَنشط بعض الشباب والشابات في الكويت في إنشاء منصّات الكترونية لتسهيل عملية تبنّي وتبادل الحيوانات، ويتواصل هؤلاء مع منظمات وهيئات عبر العالم، لكنها تبقي عملية محدودة ما لم يتم فتح الباب لإدارات الدولة المَعنيّة كهيئة الزراعة والثروة الحيوانية لضمان التعامل المُتكامل والجاد مع ظاهرة الحيوانات الضالّة بشكل عام.

الجميع اليوم أصبح متفقًا على خطورة تواجد الكلاب الضالّة في المناطق السكنية، وبمن فيهم جمعيات الرفق بالحيوان، لكن الخِلاف هو حول كيفية معالجة ذلك من دون التسبّب بالألم للحيوان ولا بالأذى للإنسان، وتلك جهود مُشتَرَكة يسهم فيها المجتمع المدني مثل الجمعية الكويتية لحماية الحيوانات وبيئتها والتي أسّستها ناشطة بيئية كويتية عام 2005، وتهدف للرفق بالحيوان وحماية البيئة وتوفّر ملجأ للرعاية ومأوى للخيول ومركز إعادة تأهيل للحياة البرية والمحميات الحيوانية.

كما على الدولة مُمَثّلة بالهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية تخصيص مراكز إيواء مع تفعيل خدمة الاتصالات والشكاوى.

هناك تاريخ طويل يَشرَح العلاقة بين الإنسان والحيوان، بعضها يَصل الى القُدسيّة وكما هو الحال في الحضارة الفرعونية، وبعضها إنساني بحت مثل علاقة اليابانيين بالحيوانات، حيث يُمكن العثور على عدّة مقابر ونُصُب تذكارية للحيوانات في اليابان وهو أمر يُشير إلى وعي اليابانيين لأهمية تلك العلاقة، لذلك يبقى التعامُل الرحيم والإنساني مع الحيوانات ـــ ضالّة كانت أم مُحتَضَنة ـــ هو المعيار الأمثل الذي يعكس رحمة البشر وإنسانيتهم.