لا شك أن التعليم أحد أهم المهن، إن لم يكن أهمها في العالم، حيث إن جميع المهن الأخرى تعتمد عليه بصورة كاملة بخلاف اعتماد الإنسان على المهن الأخرى، فالطبيب والمهندس والمهن العسكرية ومختلف المهن في الأنشطة الاقتصادية الأخرى، قد يتصور قيام حياة الإنسان دون الحاجة إلى التواصل مع هذه المهن بصورة مستمرة، لكن لا يمكن أن يتصور وجود مهن أخرى دون وجود المعلم.
ومن هنا يأتي الاهتمام في العالم بهذه المهنة باعتبار أنها ركيزة لكل نجاح اقتصادي واجتماعي والأهم جانب القيم والمبادئ، ومن خلال الممارسة نجد أن تأثير المعلم في حياتنا يأتي بعد الوالدين، وقد يفوق دور الوالدين في حال فقد الابن أباه أو أمه، إلا أن الأكيد أن المعلم شخصية محفورة في حياة كل إنسان، خصوصا من حقق نجاحات لاحقا في حياته.
في تحد جديد للاقتصاد العالمي بعد الحديث عن التضخم والركود والفائدة يأتي المعلم، حيث تشير التقديرات إلى نقص في العالم لما يقارب 70 مليون معلم إلى 2030 - بناء على تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية" - وأصبحت هذه الوظائف لا تجد من يقبل عليها في بعض دول العالم، رغم مكانة هذه المهنة وعلاقتها الإيجابية بالأفراد والأسر في المجتمع، ولذلك أصبح من الأهمية بمكان الاهتمام بهذه المهنة لتحقيق أعلى مستويات المنافع الاجتماعية والاقتصادية وغرس القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية بصورة عامة، فالمعلم هو الشخصية التي تلتقي بصورة أكبر بالفرد، ويقضي معها الطالب ما يقارب ثلث يومه في المدرسة، ومن خلال ما يلاحظه الآباء على أبنائهم يكتشفون أن هناك تأثيرا كبيرا للمعلمين في أبنائهم، فيما يتعلق بشخصية تمثل لهم قدوة ومصدرا موثوقا للمعرفة ومرجعا للقيم والأخلاق، ومحفزا إلى التميز والتفوق والنجاح، ولا يعني هذا أن جميع المعلمين يتصفون بهذه الصفات، إلا أن هذا المقال يهدف إلى إبراز أهمية العناية بالمعلم، ويكون ضمن برنامج يعزز من الإقبال على هذه المهنة ويجعلها مهنة مرموقة يهتم الجميع بالانضمام إليها.
الحقيقة أن مهنة المعلم في المجتمع في المملكة ما زالت من المهن المرموقة حتى لو صور البعض عدم الاهتمام بها خلال الفترة الحالية للزيادة الكبيرة في حجم الوظائف وتنوعها، والنمو الاقتصادي الذي ولد كثيرا من الفرص للشباب في المملكة، وما يدل على حب كثيرين لهذه المهنة الشغف الملحوظ لدى مجموعة من المعلمين وشعورهم بالمتعة في التعامل مع الطلاب، رغم مشقة ذلك في ظل تنوع مشارب الطلاب والاختلاف في مستوى التربية والعادات بين الأسر، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الشعور بالمتعة في التعامل مع الطالب، وتكتمل متعتهم عندما يرون حجم الإنجازات التي يحققها طلابهم.
هذا الشغف والحب لهذه المهنة لا بد أن يستفاد منه في جعل هذه المهنة أكثر استدامة بحيث تتمتع باهتمام من جهة الامتيازات والاهتمام المجتمعي، ويكون هناك اهتمام بتعزيز الاستقرار في الكادر التعليمي خصوصا التعليم العام، واستدامة مسار التطوير وبناء المهارات، كي تتواكب هذه المهنة مع الاحتياجات المجتمعية سواء في بناء مهارات الطالب أو في تعزيز القيم والأخلاق في المجتمع، وذلك من خلال بناء مسار وظيفي وشكل جديد للترقيات يعتمد بصورة كبيرة على الأداء، كما أنه من المهم الاهتمام بجانب جودة الحياة والاستقرار للمعلم بما في ذلك وجود تأمين صحي جيد وخيارات لتعزيز فرص السكن والاستقرار للمعلم، إذ إن واحدا من أهم أسباب الاستقرار الوظيفي هو جانب الاهتمام باحتياجات الموظف الأساسية، خصوصا المعلم الذي يكون من الصعوبة الاستغناء عن وجوده اليومي خلاف الوظائف الأخرى التي يمكن لجهة العمل أن تكلف آخر بمهام الموظف، حيث إن مهنة التعليم تتطلب الوجود اليومي في الموعد نفسه للمعلم، أو أن ذلك سيؤثر بشكل أو بآخر في مسار العملية التعليمية، ولذلك فإن توافر العلاج له ولأسرته في غير أوقات العمل، سيعزز من كفاءة العملية التعليمية، والاستقرار فيما يتعلق بالسكن خصوصا مع الدعم الحكومي الكبير سيكون له الأثر الكبير في المعلم، ولو تم تخصيص أحياء سكنية للمعلمين فيها أولوية سيكون لذلك أثر إيجابي فيهم للشعور بقيمة مهنتهم في المجتمع.
الخلاصة، إن الحاجة إلى المعلم الشامل الذي يتمتع بمهارات فيما يتعلق بالمعرفة والتعامل وبناء القيم والمهارات الحياتية، وتحفيز الطالب للإبداع، مهم للوصول إلى الإنجازات، ووجود التقدير المجتمعي لهذه المهنة المرموقة، ورغبة كثيرين للالتحاق بها، يمكن أن يكونا أحد أهم عناصر بناء مسار متقدم لتطوير هذه المهنة في المجتمع.
التعليقات