مع نهاية العام يقترب مؤشر تداول لسوق الأسهم من تبخر مكاسبه لهذا العام لأسباب عامة وخاصة. السوق السعودية تشترك مع الأسواق العالمية في كثير من المحركات العالمية مثل تأثير أسعار الفائدة والحالة العامة التي تسيطر على الأسواق العالمية بسبب احتمالات الركود والصين والحرب. وهناك أسباب خاصة تؤثر في حراك السوق لأسباب تتعلق بتطورات داخلية إما اقتصادية وإما تنظيمية أو نفسية.

للتحركات الكبيرة في السوق حيثيات اقتصادية إذا كانت مؤثرة مثل ارتفاع أسعار النفط والنمو والتوجهات في المصروفات العامة، ولكن أيضا هناك عدسة أوسع تتمخض عن دور السوق في التخصيص وتكلفة رأس المال والاهتمام بها كقناة موثوقة في المنظومة الاقتصادية لتوفير رأس المال للاستثمار الحقيقي وتسعيره. المقاربة بين واقع وتطورات سوق الأسهم مع الواقع الاقتصادي أحد شروط نجاح أسواق المال وتسعير رأس المال. تعيش المملكة محاولة وتجربة جديدة للتحديث وتوسيع الأفق الاقتصادي وتطوير النظام المالي، وهذه يصعب أن تتم دون دور محوري لأسواق رأس المال، خاصة سوق الأسهم، ولكنها ليست الوحيدة، فالمنظومة تحتاج إلى سوق دين وخاصة ثانوية، ربما جاءت موجة صكوك المصارف أخيرا كخطوة جيدة في هذا المسار، وكذلك الصناديق العقارية التأجيرية.

ولكن سوق الأسهم ستستمر كالقناة الأهم بسبب حجمها والفرص المواتية في حال الحفاظ على سلاستها وموثوقيتها، فالطبيعي أن تكون سوق الأسهم الأعلى مكاسب للمستثمر في المدى البعيد بما يتناسب مع المخاطر. تاريخيا سوق الأسهم دخلت مرحلة جديدة ابتداء من 2008، إذ كما يعرف الجميع في 2006 تعرضت لكبوة بسبب التساهل مع إدارة الفقاعة، وفي 2007 كانت لرد النفس والتعافي، بعدها بدأت السوق بدور أكثر فاعلية تنظيميا من خلال دور أوضح لـ CMA. ولكن السوق استمرت في جزء مؤثر كوسيلة استثمار ومضاربة دون دور محوري اقتصاديا، وغلب عليها دور الأفراد.

تدريجيا، حدث تطور مؤسساتي ولكن لم تعكس السوق تسعيرا موثوقا ومتجانسا بفاعلية. أفق التغير جاء مع الرؤية من خلال الطروحات الكثيرة والمؤثرة. ما يحدث في السوق اليوم يعكس التغير في أسعار الفائدة التي ارتفعت بسرعة، خاصة أن النشأة الحديثة للسوق حدثت في فترة سيطرت عليها أسعار فائدة منخفضة، ربما أيضا ساعد على ذلك تنافس المصارف في الودائع، ما رفع أسعار الفائدة حتى أعلى من الدولار بهامش مؤثر نسبيا. ولكن ربما الأهم في الحالة الخاصة من تكاثر الإصدارات في فترة وجيزة الذي أثر في السوق من عدة جوانب. تنوع القطاعات وتكاثر الشركات سيؤديان إلى التركيز على الأداء المقارن وتنويع الخيارات ودور أكثر للمدير الحصيف. ولكن ربما الأهم تسعير رأس المال في المجتمع، فحين كانت السوق تغلب عليها المضاربة والأفراد لا يمكن أن يسعر رأس المال بدرجة مقبولة من الكفاءة، ولكن تطور السوق اليوم وتنوعها أخذا خطوة أولية نحو هذا الاتجاه من ناحية خيارات المستثمرين والتمايز بين مديري المحافظ وتسعير رأس المال.

شخصيا، أرى أن تقنين الطروحات الكبيرة بما يراعي ظروف التحول الاقتصادي سيكون إيجابيا لسلاسة السوق وتوضيح أداء الشركات بما في ذلك مستوى الحوكمة. السوق السعودية أكبر سوق في المنطقة ولها دور في تطور الأسواق الإقليمية، لذلك فإن من المهم جدا الاستمرار في تطويرها.