أثرت المخاوف بشأن الطلب في الصين وسط تفش جديد لفيروس كورونا، وتجدد القيود والاحتجاجات ضد سياسة "صفر إصابات"، في معنويات أسواق النفط في النصف الأخير من تشرين الثاني (نوفمبر)، ما بدد الآمال في إعادة رفع القيود السريع بعد أن خففت السلطات الصينية بعض قواعد الحجر الصحي على الوافدين في وقت سابق من الشهر.

وفي وقت مبكر من الأسبوع الماضي، تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ كانون الأول (ديسمبر) 2021، حيث ركزت الأسواق بشكل أكبر على خسارة الطلب المحتملة في الصين أكثر من التركيز على خسارة العرض المحتملة من روسيا قبل أيام من حظر الاتحاد الأوروبي إمدادات النفط المنقولة بحرا وفرض حد أقصى لأسعار النفط الخام الروسي.

عديد من المحللين يعتقدون أن رد فعل السوق لمخاوف الطلب في الصين كان مبالغا فيه. حيث إن سياسة الصين "صفر إصابات" والموجة الجديدة من عمليات الإغلاق لمواجهة الارتفاع في الحالات الجديدة لن يكون لها سوى تأثير طفيف في طلبها على النفط على المدى القصير. لكن محللون آخرون بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية و"أوبك" يعتقدون، أن الطلب الصيني سيتضرر، ما يؤدي إلى انخفاض نمو الطلب العالمي على النفط هذا العام وأوائل العام المقبل.

المخاوف من حدوث ركود كبير في الطلب الصيني قد تكون مبالغا فيها، مع الأخذ في الحسبان أن حركة المرور على الطرق في أكبر مستورد للنفط الخام في العالم لم تتأثر حتى الآن إلا بشكل هامشي بالقيود الجديدة، في حين حركة الطيران كانت راكدة بالفعل في تشرين الأول (أكتوبر).

في الواقع، السوق متقلبة كثيرا هذه الأيام، حيث وصلت التقلبات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. بحلول الأربعاء الماضي، كانت أسعار النفط تتجه في الاتجاه المعاكس بالقدر نفسه من الحماس. حيث، ارتفع خام برنت بنسبة تزيد على 3.0 في المائة إلى 86.97 دولار للبرميل وارتفع خام غرب تكساس الوسيط بـ3.4 في المائة إلى 80.55 دولار للبرميل، وحققت أسعار النفط أكبر مكاسب أسبوعية لها في شهرين تقريبا بعد عدة أسابيع متتالية من الخسائر. حيث يبدو أن الصين استجابت أخيرا للاحتجاجات في مدن متعددة من خلال تخفيف قيود كورونا، وهي خطوة من شأنها أن تعزز الطلب على النفط.

الأسواق فجأة نسيت مخاوف الصين على الرغم من تدهور حالات الإصابة هناك، انقلبت أسواق النفط في منتصف الأسبوع الماضي لإعادة التركيز على حظر الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي المنقول بحرا وسقف مجموعة السبع على خام الأورال. كما أن الأخبار التي تفيد بأن الحكومة الأمريكية قد توقف المبيعات من احتياطياتها البترولية الاستراتيجية زادت من الضغط التصاعدي على أسعار النفط.

منذ وقت سابق من هذا العام، يتم تداول أسعار النفط وفقا للأخبار اليومية. حيث إن السوق غير قادرة على فهم الأساسيات الحقيقية. أصبحت الأساسيات الآن هدفا متحركا بفضل الأزمة الأوكرانية، قدرة مجموعة "أوبك +" على إدارة السوق، وعدم استجابة صناعة النفط الصخري الأمريكية لزيادة الإنتاج وسياسة الصين "صفر إصابات". بالفعل، أسواق البورصة في حالة من الفوضى، وبالنسبة إلى تجار السلع، السوق تتقلب من ازدهار إلى كساد على أساس يومي. لولا "أوبك" وحلفاؤها لكانت التقلبات في أسواق النفط أكبر بكثير. في هذا الجانب، توصلت دراسة نشرها مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك"، خلال ذروة جائحة كورونا، إلى أن "أوبك" خفضت تقلب أسعار النفط بـ 50 في المائة بسبب إدارتها لطاقتها الاحتياطية. ويقول التقرير إن تدخل "أوبك" عزز متوسط أسعار النفط خلال الوباء من 18 إلى 54 دولارا للبرميل. الآن، هذا يعد بمنزلة دعم لقرار "أوبك +" الأخير بخفض الإنتاج في وقت كانت فيه الدول الغربية تسعى إلى زيادة الإنتاج لخفض الأسعار.

من المرجح أن تكون الأخبار التي نقلتها "رويترز"، "بأن السيناريو الأكثر ترجيحا هو تمديد التخفيضات الحالية لـ (أوبك +) إلى الشهر المقبل" قد نجحت في منتصف الأسبوع الماضي في تهدئة انعكاس الخسائر في أسعار النفط بمجرد أن قررت الأسواق التخلي عن المخاوف المقبلة من الصين وإعادة التركيز على النفط الروسي. إذن ماذا عن توقعات البنوك الاستثمارية بخصوص الأسعار؟ في هذا الجانب، لاحظت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن البنوك الاستثمارية تصاعدية عموما فيما يتعلق بأسعار النفط، حتى لو لم يكن ذلك بالضرورة يعكس الأسعار الحالية. هناك اعتقاد واضح بأن أسعار النفط ستكون أعلى بكثير في 2023. حيث، توقع بنك جولدمان ساكس 110 دولارات للبرميل للعام المقبل، لكنه يدرك عدم اليقين. في الأسبوع الماضي، قال البنك "إن التخفيضات الأخيرة لأسعار النفط كانت بسبب التضخم/قوة الدولار والصين". العامل الثالث هو أن روسيا تدفع الآن إمدادات كبيرة إلى السوق قبل الموعد النهائي في الخامس من كانون الأول (ديسمبر) لحظر التصدير.

تعتقد شركة ريستاد للطاقة Rystad Energy أيضا أن الانخفاض الأخير في أسعار النفط بناء على الطلب الصيني مبالغ فيه. حيث إن أسواق النفط قد تكون خاطئة في تقدير أنباء إغلاق الصين. على الرغم من استمرار الاحتجاجات في الصين، وارتفاع معدلات الإصابة اليومية إلى أكثر من 40 ألفا بحلول الثلاثاء الماضي، إلا أن التأثير الإجمالي لا يساوي هبوطا بـ 4 في المائة في أسعار النفط في بداية الأسبوع الماضي. ويبدو أن البنوك الاستثمارية تنظر إلى هذا على أنه مجرد كبوة عابرة وليس وضعا طويل الأجل من شأنه أن يحافظ على أسعار النفط في نطاق 98 ـ 110 دولارات للبرميل في العام المقبل.

تلاحظ البنوك الاستثمارية أن خام برنت الذي سيتم تسليمه في آب (أغسطس) من العام المقبل لديه احتمال بـ 46 في المائة لتسوية أعلى من سعره الحالي بأكثر من 20 دولارا للبرميل. بالفعل، يمكن أن ينتهي الأمر بالصين إلى أن تكون المحرك لأسعار النفط. إن تراجع الطلب مثل التوفير من أجل طفرة مقبلة. تقلبات الطلب في الصين ستكون كبيرة. وفقا لـ Energy Aspects، "يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأرجح الطلب بما لا يقل عن مليون برميل يوميا، ويمكن أن يؤدي ذلك بسهولة إلى إحداث فرق بين توقعات أسعار النفط في 2023 من نطاق 95 - 105 دولارات للبرميل مقابل نطاق 120 - 130 دولارا للبرميل".