شكَّلت جلسة حكومة تصريف الأعمال علامة فارقة في علاقة «حزب الله» و»التيار الوطني الحر». ولا يبدو واضحاً ما إذا كانت مفاعيلها أبعد من تحذيرٍ بالبطاقة الصفراء. أم طردٍ لا عودة عنه بالبطاقة الحمراء.

لا يزال تكوين المشهد النهائي لهذه العلامة في بداياته، لذا لا ضرورة للاستعجال بشأن ما ستؤول إليه الأمور على أصعدة عدة تتجاوز الجلسة وانعقادها إلى الاستحقاق المفصلي المتعلّق بالخلاف الذي أصبح علنياً بين الحليفيْن على ملف رئاسة الجمهورية، وما سيتبع هذا الاستحقاق من ملفات لا يمكن التساهل حيالها، على صعيد رئاسة الحكومة وتعيين حاكم لمصرف لبنان وقائد للجيش، وغير ذلك من وظائف الفئة الأولى.

وبعد توجيهه ضربة الجزاء هذه، صام «الحزب» عن الكلام، كما هي عادته، واكتفى بالرسالة التي وجهها إلى رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل، الذي يجد البعض أنّه تمادى كثيراً في الابتزاز، ليس فقط من خلال «الشريط الباريسي» المسرَّب، ولكن برسائل ضمنية وصلت حدّ التلويح بانتخاب ميشال معوض وقلب الطاولة، كما قيل في مجالس مغلقة، كما لا يمكن تجاهل طلب الودّ وبوتيرة تتسارع وتتكثف أكثر فأكثر من حزب «القوات اللبنانية»، بحجة «حماية الساحة المسيحية من المسلمين المتحدين ضدّها».

ولا يكفي التوقف عند ما أعلنه صراحة، النائب أسعد درغام بقوله: «الثنائي الشيعي يُعطّل جلسات انتخاب الرئيس ويُراهن على تعبنا من أجل التفاوض على مرشحه سليمان فرنجية، وأقول له من باب النصيحة إنّ هذا الأمر يزيد من النقمة المسيحية عليه». ذلك أنّ مسؤولي «التيار»، وتحديداً الأوفياء للخط «الباسيلي»، ذهبوا بعيداً في اعتراضاتهم وتحذيراتهم.

وكأنّهم بذلك يستحضرون ويستعجلون الطلاق السياسي بين الطرفين. ويبررون أسبابه الموجبة. ونسي بعضهم غرامه بالسجاد العجمي ومهارة صانعيه، وصوَّر دعم «الحزب» رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنّه يؤدي إلى «الفتنة والاحتقان والانتقام»، وصولاً إلى اعتبار موقفه هذا «خطيئة». والخطيئة لا مغفرة لها. فهي خيانة عظمى كفيلة بالحصول على حكم الطلاق المبرم. حتى في الزواج الماروني المتشدد. فكيف باتفاق سياسي يبدو أنّ الغاية منه لم تعد تؤتي ثمارها.

وفي اعتقاد هؤلاء المصدومين، ليس من ميقاتي ومن دعوته إلى انعقاد الجلسة المشؤومة، ولكن من الحليف المفروض به الوقوف على خاطر باسيل، الذي ضحّى هو وعمه بالكثير الكثير ليسلّم لبنان لقمة سائغة للمحور الإيراني... وخسر، كما يردد العونيون، الكثير من شعبيته في الشارع المسيحي. وأكثر من ذلك خسر في المحافل العربية والدولية جراء عدم فك تحالفه مع «حزب الله»، ما تسبب له بعقوبات أميركية على خلفية هذا التحالف.

هم لا يريدون أن يروا الوجه الآخر لصفقتهم من خلال «تفاهم مار مخايل» وما سلَّفهم إياه «الحزب»، بما مكَّنهم من الوصول إلى السلطة وتمددهم حيثما تطلبت المصلحة «الباسيلية» ذلك، في الإدارات والمؤسسات والوزارات الدسمة. ولم يشبعوا ولن يشبعوا. وكأن مجرد وجود غيرهم من المسيحيين على خريطة الحياة السياسية يصبح اغتصاباً لحقوقهم المنزلة والمقدسة.

ربما تمادوا وتجاوزوا الخطوط الحمر. وربما سيعيد باسيل تصويب البوصلة بوعي من «عرف حدّه ووقف عنده»، إذا اشتغل المنطق الطبيعي، مكتفياً من هذه السابقة بالمردود الشعبوي، أما إذا اشتعل الجموح على الطريقة العونية، ربما هو سيلجأ إلى أعلى ما في خيله ليركبه... كما كانت الأحوال في نهائيات ثمانينات القرن الماضي، حينها سيصرخ الرجل من قلب شمشومي مجروح ويائس: «عليّ وعلى أعدائي».

وحينها سيردد «الباسيليون» الأوفياء مع موسيقار الجيل محمد عبد الوهاب «قالولي هان الود عليه... ونسيك وفات قلبك وحداني». وسيمسحون من تاريخهم كل فضائل «الحزب» على رئيسهم، ويختمون فصول الطلاق مع «رديت وقلت بتشمتوا ليه... هو افتكرني عشان ينساني؟»