نفتح صدورنا وقلوبنا غدا لاستقبال عام جديد، يحمل لنا كل الخير إن شاء الله، ونحقق فيه المزيد من الآمال والتطلعات، بعد أن نكون قد طوينا بغروب شمس هذا اليوم العام 2022، بكل ما فيه من تحديات ونجاحات.

ليس هناك فرق كبير بين اليوم وغدا سوى تغيير التاريخ في الكاليندر، لن تشرق شمسًا أخرى، ولن يظهر في السماء نجم جديد، لكن مثل هذه الساعات الحاسمة بين عام وآخر تمثل عادة فرصة لعمل ما يمكن تسميته بـ«جردة حساب»: استذكار لحظات وأيام السعادة، والمرور على الأخبار والأحداث التي لم تكن سعيدة، والتفكير بما حققناه من إنجازات ليس على صعيد العمل فقط بل على مختلف الأصعدة، وشحذ الهمة والنشاط لتحقيق المزيد.

أتسلى أحيانًا بما قاله أو يقوله المنجمون، من باب الفكاهة والترفيه لا أكثر، وقرأت مؤخرًا أن المنجم الفرنسي نوستر أداموس، الذي قدم آلاف التنبؤات للمستقبل في كتابه النبوءات الصادر منذ أكثر من 450، قد رسم صورة قاتمة للعام 2023، وأن العديد من الناس يصدقون ذلك، ويخشون منه كثيرًا، خاصة وأن هذا المنجم توقع بشكل شبه دقيق نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد كتب أنه في العام القادم ستشتعل حرب عالمية ثالثة انطلاقًا من أوروبا، ومن يصدق ذلك لا شك يبرهن عليه بتطور الحرب الروسية في أوكرانيا إلى حرب عالمية، وربما نووية، لا قدر الله طبعًا.

لا أحد يرغب بذلك بلا شك، وأتمنى ألا تكون ولا واحدة من تنبؤات نوستر اداموس صحيحة، فنحن لا نريد حروبًا، ونريد أوروبا قوية، وأمريكا قوية، فصداقتنا مع القوي أفضل بكثير من صداقتنا مع الضعيف، خاصة وأننا نسير بخطوات أكيدة لنكون كبحرينيين وخليجيين قياديين من الآن فصاعدًا، والحقيقة إن حكام المنطقة أثبتوا جدارتهم بأن يقودوا بلادهم وشعوبهم إلى ما هو أفضل، ووضعها في مصاف الدول المتقدمة عالميا.

لا أريد أن أزايد على أحد في التفاؤل والقول إن كل شيء على ما يرام، لكن بالمقابل لا يمكن معرفة أين موقعك في السباق إلا قياسًا بموقع المتسابقين معك، وانطلاقا من هذه الحقيقة، يمكن القول إن البحرين تعيش ببحبوحة خير وسلام، وينعم ناسها بالأمن، بما فيه الأمن الاقتصادي والمجتمعي، وهي نعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، لا يعرف قيمتها إلا سوري أو لبناني أو يمني أو عراقي، أو حتى برازيلي أو فنزويلي، أو حتى بريطاني، وقد ظهرت تقارير مؤخرا تشير إلى أن نساء بريطانيات اضطررن للعمل في الدعارة بعلم أزواجهن لتغطية نفقات أسرهن.

هناك تضخم في البحرين، وارتفاع في أسعار مواد غذائية، تضخم بنسبة نحو 3 %، لكن التضخم في الاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة فاق الـ8 %، وعملات دول مثل تركيا ومصر فقدت كثيرًا من قيمتها الشرائية، ولست مضطرا لذكر العملة الإيرانية التي أصبحت أرخص من الورق الذي يطبع عليها. لذلك ليس من الإنصاف التذمر من ارتفاع الأسعار في البحرين وكأنها يجب أن تكون بمعزل تام عن التأثر سلبا بالظروف الاقتصادية والجيوسياسية السيئة عالميا.

فالبحرين بلد صغير جغرافيا، موارده ليست بحجم موارد أشقائه في دول الخليج العربي، لكنه كبير سياسيًا، ولديه حضور في الملفات الدولية الكبرى، ويدير ملفاته الداخلية وعلاقاته الخارجية بحنكة، محققًا بذلك أهدافه الاستراتيجية القصيرة والطويلة المدى، وفي مقدمتها رفاهية شعبه، وأمنه واستقراره وازدهاره.

ولقد كتبت في مقال سابق عن جمال البحرين وهي تحتفي عامًا بعد عام بإنجازاتها، وتحقق المزيد منها في جميع المجالات وعلى مختلف المستويات، وعن مواصلة البحرينيين التفافهم حول الرؤية الاستباقية السديدة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله، وتأييدهم لخطط وبرامج الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

منجزات حضارية كثيرة حققتها البحرين خلال العقدين الماضيين، وكنت محظوظًا بأني أتابع عن كثب هذه المنجزات، وأهمّها، وفي صدارتها، وعلى رأسها، هو تخطي التحديات الأمنية الخطيرة بنجاح، والخروج منها أقوى، فما ننعم به الآن من نعمة الأمن والاستقرار ليس أمرًا بسيطًا يتحقق من تلقاء ذاته، بل بتخطيط ورؤية حكيمة وقيادة حصيفة من جلالة الملك وأبناء البحرين الأوفياء الذين وقفوا مع ملكهم وبلدهم، ومنعوها من الانزلاق إلى ما انزلقت إليه دول الخريف العربي، ولنا في ليبيا وسوريا وحتى في العراق ولبنان عِبرة وعَبرة.

أما باقي المنجزات، الحضارية والعمرانية والاقتصادية والثقافية والصحية والإسكانية، والقائمة تطول، فهي منجزات نعايشها كل يوم، ونستفيد منها في كل يوم، والأرقام والمؤشرات الدولية تشهد على ذلك، بل يكفي أن ننظر إلى الأوضاع المعيشية الآن حتى في الدول الأوربية لندرك في أي نعمة من الله نحن.

لقد عقدت اجتماعا لمجلس إدارة مجموعة برموسفن هنا في البحرين الأسبوع الماضي ناقشنا خلاله مجمل الأداء خلال العام 2022، وكان أداءً تصاعديًا جيدًا بالمجمل رغم التحديات التي يمر بها الاقتصاد العالمي، كما وضعنا في الاجتماع توجهاتنا للعام 2023، ورسمنا خطة عمل قائمة على مزيد من الاستثمار والتوسع في البحرين ودول الخليج العربي، وإضافة أنشطة أخرى للمجموعة، وذلك انطلاقًا من إيماننا بحاضر ومستقبل هذه المنطقة من العالم، والتي باتت محط أنظار الجميع بما أنعم الله عليها من ثروة واستقرار.

بعد سويعات قليلة من الآن سوف نودع 2022 عامًا قد مضى من عمرنا بكل آلامه وأفراحه وأحزانه، ونستقبل 2023 عامًا جديدًا، نأمل من الله عز وجل أن يجعله عام خير وبركة وسلام على الأمة العربية والإسلامية، وأن يزيل عنا وعنكم الهم والغم، وها نحن نودّع عامًا، ونستقبل عامًا جديدًا من حياتنا، فطالما أن في العمر بقية، وفي الحياة فسحة، فهذه نعمة أنعم الله بها علينا، فكل عام وقرّاؤنا الأعزاء بألف خير وسلام، ووطنا الغالي البحرين بأمن وأمان، والله يحفظ ديرتنا الحبيبة من كل شر ومكروه.