حسب معجم المعاني الجامع، فإن قولنا شخصت الأبصار نحو مكان، يعني حدّجت فيه بالبصر، وحققت ونظرت إليه بإمعان، وتقال كناية عن الإنصات وكمال التنبه، وأبصارنا هذه الأيام تشخص نحو البصرة بإمعان وكامل التنبه، لكن ليس بإنصات، وإنما بجلبة الفرح والبهجة، كون البصرة تستضيف دوري خليجي 25، والبصرة نافذة العراق على الخليج العربي، هي الواقعة على الضفة الغربية لشط العرب، التقاء نهري دجلة والفرات، والذي يصب في الخليج العربي، وتحد البصرة عدة أقضية ومدن، منها القرنة وشط العرب والزبير وأبو الخصيب والفاو.
اختلف المختلفون في معنى مسمى البصرة، وينقل عن ياقوت الحموي، والعهدة على الناقل، إيراده مجموعة من الآراء في معنى البصرة في كتابه «معجم البلدان»، منها قول ابن الأعرابي إن البصرة حجارة صلاب، أما رأي ابن الأنباري وقطرب فهو أن البصرة هي الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب، فيما ينسب إلى يعقوب سركيس إشارته إلى أن الاسم سرياني يعني القنوات أو باصرا (محل الأكواخ)، وقيل إنها سميت بصرة، لأنها كانت تقع على مرتفع من الأرض، فمن يقف بذلك الموقع يستطيع أن يبصر ما حوله.
راق لي هذا التفسير، ربما لاقتران مفردة «البصرة» بالبصر، ولنذهب أبعد فنقول بالبصيرة أيضاً، وإلا كيف نفسر هذا التاريخ الثقافي والحضاري للبصرة التي منحتنا أسماء كبيرة كالحلاج والجاحظ والحسن البصري، وفي العصر الحديث بدر شاكر السياب، ويعجز الحيز عن إيراد أسماء مضيئة كثيرة ولدت ونشأت وأبدعت شعراً ونثراً وغناء وموسيقى، في البصرة البصيرة.
لكننا سنعيد ما قاله الجواهري الكبير: «البصرة، البصرة، وكفى»، وببن البصرة والجواهري صلات وذكريات، هو الذي زارها وتردد عليها، وعمل في الثلاثينات الماضية مدرساً في ثانوياتها أشهراً قليلة، وحين أتاها في عام 1969 خلال الدورة الأولى لمهرجان «المربد»، هرعت جموع بصرواية حاشدة لاستقباله، وحيّاها بقصيدة في ذلك المهرجان.
أوليست نخيل البصرة هي المقصودة في رائعة السيّاب «أنشودة المطر»: «أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر/ وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين/ يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع/ عواصف الخليج، والرعود، منشدين/ مطر.. مطر.. مطر».
في موسمنا الماطر هذا ذهب لاعبو المنتخبات الخليجية إلى البصرة التي استقبلتهم أجمل استقبال فاتحة لهم الصدور والقلوب، لنعيش معهم عرساً كروياً، يرينا، بين ما يرينا، كم نحن قريبون من العراق وكم هو قريب منا.
التعليقات