سألني صديق ليبي، يقيم في القاهرة منذ ربع قرن: هل تتوقع أن التحركات والمباحثات الجارية الآن بين الأطراف الليبية المسؤولة، ستنجح في «حلحلة» الأزمة؟

قلت له: كل شيء وارد، ما دامت الإرادة والنيات الحسنة قد توافرت لدى كل الأطراف، مُذكّراً إياه بحديث سابق بيننا، كان يتعلق بأن الحل يأتي على مراحل وخطوات، دون تشبث أي طرف بموقفه، وشريطة أن يُبدي كل طرف المرونة في قطع أشواط نحو الحل، والتوافق على التقدم خطوات إلى الأمام، ثم عُدت لاستكمال إجابتي عن سؤالي: أعتقد أن ما يتم الآن من لقاءات في القاهرة أو ليبيا، مثل لقاءات تمت بين قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، إنما هي خطوات ومراحل تدعو إلى التفاؤل، وربما تؤتي بثمارها واقعياً، إذا ما أرادت كل هذه الأطراف، وتجاوزت الخلافات الضيقة، فالحل الليبي لن يأتي من الخارج، فالمفتاح الحقيقي لمستقبل ليبي يقود إلى الاستقرار، يصنعه أبناء ليبيا، ومن ثم فإن النتائج الإيجابية المرجوة من تحركات الأطراف الليبية، مرهونة بحسابات الأطراف ذاتها، بل مرتبطة بتنفيذ الالتزامات والتعهدات التي تخرج من هذه اللقاءات.

ودعني أقول لك بصراحة، إنه مهما بلغ حجم الخلافات والتجاذبات بين طرفي القوى المتنافسة، فإن المصلحة العليا للدولة تتطلب إعادة النظر، وبسرعة شديدة، فلم تعد ليبيا تحتمل مزيداً من التدهور في كل مؤسساتها، ولم تعد لديها رفاهية الارتهان لتدخلات خارجية، تنهش في ثرواتها ومواردها، التي هي في الأساس تمثل مقدّرات الشعب الليبي.

أعود مرة ثانية للتأكيد على عدة مسارات، لا بد أن تضعها الأطراف الليبية، التي تتفاوض وتتنافس حول خريطة طريق جديدة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتتمحور حول هذا المضمون:

ضرورة التوافق حول المواد الدستورية، أو البحث لحلول لها تدفع إلى الضمان الآمن، لمرور السفينة الليبية، بما يضمن وصولها نحو شاطئ الاستقرار الليبي، والإيمان الكامل لدى كل هذه الأطراف، بأن تحقيق الاستقرار لن يأتي من دون بناء مؤسسات وطنية، تضم كل الأطياف السياسية الليبية، وأن الحفاظ على وحدة الدولة الليبية، لن يتأتى إلا بالحفاظ على وحدة الأراضي الليبية، كما أنه لابد من مجابهة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، التي باتت تمثل خطراً جوهرياً على جسد الدولة الليبية، هذا فضلاً عن حتمية توحيد المؤسسة العسكرية، والعمل بكل جهد وقوة على إنجاح مسارات اللجنة العسكرية 5+5 بما يقطع الطريق أمام الجماعات والميليشيات المسلحة ويمنعها من العبث بمقدرات الشعب الليبى، ومؤسساته الوطنية، يتزامن مع كل ذلك، صون السيادة الليبية، وعدم السماح لأي أطراف خارجية، بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة الليبية، واعتبار الشؤون الداخلية حقوقاً لا يمكن التفريط فيها، وإعطاء الفرصة الكاملة لدول الجوار للمشاركة في تحقيق التفاهمات، وإنجاح الحوارات بين جميع الأطراف الليبية، سيما أن استقرار ليبيا يمثل استقراراً للأمن القومي، ليس فقط للجيران بل للأمن القومي العربي بشكل عام.

أخيراً، أستطيع التأكيد لك بأن تحركات الأطراف السياسية في اختبار حقيقي، وكاشف للسير قُدماً نحو استقرار الدولة الليبية، وأن الأوراق جميعها على طاولة التفاوض، لكن على كل هذه الأطراف إدراك أن هذه الفرصة فارقة ومهمة، ولا يمكن تضييعها، وأن الدولة الليبية، لا بد أن تعود بقوة إلى محيطها العربي كدولة فاعلة، غنية بمواردها التي تتميز بها ، وأنها دولة لديها سلطة الجغرافيا، التي تفتح شهية العالم نحو السباق إليها، وقبل كل ذلك، فقد ضاقت الحال ذرعاً بأبناء ليبيا، الذين تتقاذفهم أيادي الإرباك والغموض والأطماع، سواء على الصعيد الداخلي، أم الصعيد الخارجي، فبقدر تفاؤلي بمسارات التفاهمات الجارية الآن، بقدر ندائي لكل هذه الأطراف، باستثمار هذه الفرصة، ثم البناء عليها مستقبلاً، فالمهم الآن هو تحرك السفينة الليبية من محطة الأزمة والتأزيم.