أحب المتفائلين وأحاول أن أكون منهم، فهل الموضوع بهذه البساطة؟ سأل الرئيس باراك أوباما أسئلة فلسفية افتراضية، في خطاب ألقاه عام 2016م: ما الوقت الذي ستختاره لولادتك فيما لو مُنحت حق الاختيار؟ وفي أي مكان تفضل أن تولد؟ هل في العصر الحجري القديم أو الحديث؟ في اليونان القديمة أم روما؟ في العصور الوسطى أم في الخمسينيات؟ في إنجلترا الإليزابيثية؟ أو في أمريكا المستعمرة؟ وأجاب: «سوف أختار اليوم»، وبرر ذلك بقوله: «نحن محظوظون لأننا نعيش في أكثر العصور سلمية وازدهارًا وتقدمًا في تاريخ البشرية»، مضيفًا «لقد مرت عقود منذ الحرب الأخيرة بين القوى الكبرى، إذ يعيش المزيد من الناس في الديمقراطيات، ونحن أغنى وأكثر صحة وأفضل تعليماً، مع اقتصاد عالمي أنقذ أكثر من مليار شخص من الفقر المدقع».

وبغض النظر عما إذا كان هذا هو الواقع أم أن الرجل يتجمّل، فإن لكلامه ما يسنده، «فلماذا الكآبة التي تنثال علينا من قبل السياسيين والمثقفين؟» يجيب عن ذلك أحد الكتاب الأميركيين الكبار بالقول: «من المرجح أن تقوم وسائل الإعلام الإخبارية بنقل الأخبار السيئة أكثر من الجيدة، وذلك ببساطة لأن هذا هو ما تم تكليفها به، وبحسب عالم النفس روي إف بوميستر فإن «المشاعر السيئة، والآباء السيئون، وردود الفعل السيئة لها تأثير أكبر من تلك الجيدة، ويتم معالجة المعلومات السلبية بشكل أكثر شمولاً من الإيجابية. كما أن الانطباعات والصور النمطية السيئة أسرع في التكوّن وأكثر مقاومة للنقض من الأفكار الجيدة»، فنحن ننحاز للوضع الراهن ونميل لاختيار أي شيء اعتدنا عليه، ونتمسك بالتنظيمات الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة على البدائل المقترحة، ولذلك نشأت في معظم المجتمعات البشرية، بألسن متعددة، مقولة «الله لا يغير علينا».

يتخيل البعض أن المجتمع المثالي هو ذلك الذي يحمل فيه غالبية الناس وجهات نظر متفائلة حول أنفسهم ومواطنيهم وآفاق مستقبلهم الجمعي. ولكن، هناك في الواقع، من يرى أن العكس هو الصحيح تمامًا، فيعتبر «أن التشاؤم العميق مكون رئيس للحفاظ على المجتمع الجيد». ويبرر أصحاب هذه المدرسة منطقهم بأن «الحداية لا ترمي كتاكيت» إذ يكمن جوهر التشاؤم في فكرة أن «كل شخص، مهما كان طبيعياً في ظاهره هو في الحقيقة يعاني من عيوب جسيمة فهو قصير العمر، انتقامي، عاطفي، عرضة للغضب والطيش، والخوف، والتوهم»، وأننا معاشر البشر «قرود مجنونة ولدينا القليل من الخلايا العصبية الزائدة».

في المجتمع المتشائم، يكون السياسيون «المملون والثابتون على كراسيهم هم القاعدة»، ولا أحد من الناخبين «يصدق الوعود الطوباوية للقادة المشاغبين» وبخاصة عندما تطلق من على المنصات الانتخابية، فالناس «متشائمون للغاية بحيث لا يثقون في حلول سهلة وسريعة لأي من المشاكل الجوهرية التي تعاني منها الأمة»، إنهم يهملون تلك الوعود على الفور، وباستخفاف ساخر ورافض. ولذلك تساءل الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو بحسرة: أين أخطأت لأخسر الانتخابات؟ ربما لم يخطئ لكن طبيعة الناخبين المتشائمة التي لا تركن إلى الوعود غير المألوفة هي التي أسقطته من حيث كان يتوقع أنه يعبد طريقه نحو الرئاسة للفترة الثانية بتلك الوعود الشعبوية.

يستثمر المجتمع المتشائم بشكل كبير في «مؤسسات قوية وبطيئة الحركة ومستقلة تمنع تركز القوة في يدي شخص واحد». علاوة على ذلك، فإن هذه المؤسسات «معزولة عن تقلبات الرأي العام»، وبتشاؤم، يُنظر إليها على أنها «عرضة بشكل كبير للهستيريا ورد الفعل المبالغ فيه» ولذلك تنفر غالبية الشعوب من السياسات الشعبوية لخطرها على المؤسسات والتقاليد الراسخة.

عام 1945م حذر عالم السياسة فرانسيس ويلسون من تصاعد التشاؤم، وكتب: «التشاؤم السياسي الأميركي ، هو بيان للظروف التي يكون فيها التقدم إما غير حتمي أو مستحيل»، وهو في المقام الأول «نتاج التوتر في النظام الاجتماعي وانعدام الأمن عند الفرد». ووجدت دراسة أجريت من قبل مركز بيو للأبحاث عام 2019 أن 44% من الأميركيين يتوقعون أن مستوى المعيشة سوف يزداد سوءًا بحلول عام 2050م، واعتقد 83% أنه سيتعين عليهم العمل حتى السبعين من العمر لتحمل تكاليف الحياة، وشكّل استمرار تدهور المناخ مصدر قلق لـ59%، بينما اعتقد 82% من الأميركيين أنه سيتم استبدال معظم الوظائف ببدائل آلية في غضون 30 عامًا، وستصبح واشنطن منقسمة بشكل متزايد، وفقًا لـ65 % من المستطلعين.

لا يستطيع المتفائلون صبغ الحياة باللون الوردي وتحويل الميادين إلى مفارخ للسعادة، ولن يتمكن المتشائمون من استعجال الأقدار السيئة لتحل بالمجتمعات قبل أونها، فالتشاؤم والتفاؤل حالتان نسبيتان مطلوبتان في أي مجتمع صحي.