السفر عبر الزمن إلى المستقبل، الذي شغل عقولنا في الأفلام والكتب، يبدو أنه من يحرك مشاريع المستقبل اليوم، حين ننظر لها بعين فاحصة سنجد أنها عبارة عن المستقبل الذي حلمنا به يوما.

ثمانية أعوام تفصلنا عن انطلاق مدينة الأحلام «نيوم» المدينة الذكية التي ستسافر بنا إلى المستقبل، وهي أكبر مشاريع رؤية السعودية 2030. تلك المدينة التي دار نقاش صاخب حولها حتى شكك بها من شكك في مؤتمر دافوس مؤخرا، وفي الحقيقة هذا المشروع برمته يستحق أكثر من نقاش، فهو يلفت الانتباه إليه حتى قبل ابتدائه، ذلك أن ما يؤول إليه من فكرة مجسدة ونوعية وغير مألوفة تستدعي هذا اللغط تماما.

ولكن الفرق هو أن هذا المشروع يقام على أرض المملكة العربية السعودية هنا، لذا فالأمر ممكن، كرهان محسوم سلفا، كشأن دبي التي كانت حلما لم يكن منظورا ولم يتصوره حتى من قام ببنائها أن تبلغ ما بلغته اليوم.

ولكن، المدينة الذكية النوعية والعابرة للحدود «نيوم»، إن استطعنا وصفها من شأنها أن تكون مجتمعا مختلفا تماما عن عرف مجتمعاتنا التباينية بكل ما يخطط لها وتحتويه ليس من ناحية البنى التحتية وهندستها وتصاميمها والآليات التي ستستخدم وشروط السلامة والنظافة البيئية وخلوها من الانبعاثات السامة فحسب، بل إنها ستكون مجتمعا نوعيا وسط مجتمعات عربية متزاحمة، كونها مدينة مخطط لبنائها بالكيفية المعيارية الدقيقة، وفق أهداف ذات تفاصيل واسعة، أي أنها لن تترك لتكون كيفما تكون، بل لتكون كما أراد لها أن تكون.

بحسب أهداف المدينة الذكية فإن لها معايير مجتمعية تختلف عن السائدة حتى في أكثر المدن رقيا، هذه المعايير من شأنها أن تصنع مجتمعا نوعيا وخاصا، مجتمعا نموذجيا، ووقوعها بقرب ممر مائي، وبين ثلاث دول تنتمي لقارات مختلفة، تجعلها متنوعة الاستقطابات وبالتالي لن تكون نموذجا يحمل الطابع المحلي. كما أنها مؤسسة لتكون مدينة ذات قيمة اقتصادية في المقام الأول، لذا فإنها ستستقطب نخبة النخب في هذا المجال، لتكون رائدة في رفع مستوى هذا الدور، بجعلها المكان المستقبلي للاقتصاديين ورجال الأعمال والاستثمارات الذكية، إنها تحمل معها مستقبل المنطقة برمتها.

لنراهن على أن تكون هذه المدينة هوية المستقبل الذي قد يغير خارطة الاقتصاد العالمي، في حال أنها اكتملت، لن يكون هذا الأمر مستحيلا.