قبل أشهر وفي هذه الصحيفة الغراء كتبت أكثر من مقال حول العلاقات السويدية العربية والإسلامية وحاولت تشخيص شيء من تاريخ العلاقات بين الجانبين خاصة فيما يتعلق بعلاقات المهاجرين العرب، والمسلمين إلى السويد، وإشكالية الاندماج من ناحية، والخوف في دول المهجر من إحداث تغييرات دراماتيكية مستقبلية في البنية الاجتماعية والثقافية. اليوم أعود للأمر من جديد بعد الإجراءات الاستفزازية والمرفوضة من كل العرب والمسلمين التي تمت بتاريخ الحادي والعشرين من شهر يناير 2023 والتي تمت على يد ما يسمى بزعيم حزب الخط المتشدد المدعو راسموس بالودان وتلخصت في إحراق نسخة من القرآن الكريم في العاصمة استوكهولم أمام سفارة تركيا في السويد. هذا العمل يعيد من جديد إلى الأذهان احتمالات تزايد الكراهية بين التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا وبين المهاجرين التي ترغمهم بعض الظروف على إحداث تغييرات جذرية أحيانا في حياتهم، أو في حياة الأجيال الجديدة من أبنائهم.

أول تعليق رسمي على الإدانات التي وجهتها حكومات ودول عربية وإسلامية كان تعليق رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون الذي قال عبارة نصف غامضة، ونصف واضحة ونصها قوله: «إن حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أمر ملائم».

هنا يحيلنا الغرب الليبرالي إلى مقاربة لا يمكن أن تقنع أحدا خاصة في العالمين العربي، والإسلامي، الأمر الذي قد يفتح الباب لأن توضع العلاقات العربية والإسلامية مع السويد على المحك. ونعرف أن هناك مصالح تجارية واقتصادية للسويد في العالمين العربي والإسلامي أهم من ذلك هناك ملايين المهاجرين الذين يستفزهم مثل هذا السياسي غير المنضبط بأعمال عقيمة ولا يمكن أن يفهم منها على أي نحو أنها تعبير عن حرية رأي، أو تطبيق لمناهج ديمقراطية. المهاجرون في الدول الاسكندنافية ومنها السويد قد يكونون برميل بارود يشيع التوتر ويهدد السلم الاجتماعي في هذا البلد. الأهم من ذلك هو ضرورة أن يكون هناك تبصير للعقل الأوروبي بأن هناك فرقا كبيرا بين القانوني البشري وبين المقدس الرباني الإلهي. خاصة وأن الدساتير الغربية إجمالا تتضمن فقرات تؤكد فيها على احترام المقدسات لدى الناس.

ولعل مما يزيد من حنق المهاجرين في السويد أو غيرها من بلدان المهجر استمرار هذا السياسي السويدي بهذه الأعمال العدائية حيث إن هذه المرة ليست الأولى فقد شهد مطلع العام المنصرم 2022م أعمال حرق لنسخ من القرآن الكريم في ملاعب وميادين عامة، وشهدت البلاد خاصة العاصمة ستوكهولم وبعض المدن الكبيرة أعمال شغب وحرق للمركبات وللممتلكات.

وكتبت حينها بعض الصحافة السويدية والغربية أن المسلمين وأتباع القرآن الكريم لم يستطيعوا مواجهة الرأي بالرأي بل لأنهم قادمون من ثقافة غير ديمقراطية، ومن دين معيب فهم لا يعرفون الحوار، ولا التفاهم مع الآخرين. وهذه تهمة باطلة منشأها كما نرى الفرق في الرؤية بين الجانبين للقانوني، والنظامي، والحياتي البشري، وبين الرباني الإلهي المقدس. وسيظل الغرب يخطئ في حق نفسه، وفي حق حضارته بهذه السلوكيات المعيبة والتي لا تعكس شيئا من التحضر، أو الرقي الفكري والحياتي. الحياة تتسع للجميع، وأوجه التعاون والاستفادة مما لدى الآخرين وارد بل ضروري بدليل أن القوة البشرية التي تشكل جزءا كبيرا من عصب الصناعة في السويد تعتمد على المهاجرين من عرب، ومسلمين.