انتهيت لتوي من قراءة كتاب "صناعة الجوع: خرافة الندرة" لفرانسيس مور لابيه، رغم أن تاريخ نشره يعود إلى عام 1977، وهو كتاب يتحدث عن أزمة الغذاء العالمية، وفيه الكثير من التفاصيل المتعلقة بأبعاد هذا الموضوع، الذي بات يُسيطر على العقلية الاستراتيجية للدول خاصة على المديين المتوسط والبعيد.

تأتي قراءتي للكتاب ضمن الاهتمام العام بملف "الأمن الغذائي"، وهو ما يدفعني على الدوام إلى متابعة نتائج "مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء"، المعني بقياس التغيّر الشهري في الأسعار الدولية لسلّة من السلع الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى ترقب نتائج اجتماعات لجنة الأمن الغذائي العالمي (CFS) وهي أهم منصة حكومية دولية تعمل على ضمان الأمن الغذائي والتغذية للجميع، حيث ركزت دورتها الخمسين (أكتوبر 2022)، على موضوع "الاستجابات العالمية لأزمة الغذاء العالمية.. عدم ترك أحد خلف الركب"، ويمتد الاهتمام إلى ترصد تقارير "حالة الأمن الغذائي والتغذية" السنوية، التي تعدها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فنسختها الأخيرة (2022) تطرقت إلى تحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية، وتحسين التحليل المعمق للتحديات الرئيسة من أجل تحقيق هذا الهدف في نسق خطة التنمية المستدامة الدولية لعام 2030.

ربما يفاجئني البعض بسؤال مباغت: ماذا عن أمننا الغذائي السعودي؟، قبل الإجابة، من المهم جدًا فهم عقلية الإدارة السعودية التي تتفاعل مع هذا الملف ليس من باب الرفاهية، بل كركن أساسي لأمنها القومي، لذلك هي تتحرك فيه على الدوام من خلال إعادة توجيه دعم السياسات الغذائية والزراعية، منطلقة من رؤية المملكة 2030 الطموحة، وسآتي لتفاصيل ذلك لاحقًا.

صحيح أن هناك ارتباطا طرديا بين "الأمن الغذائي" وتوفير المنتجات الغذائية، وبين عدد من العوامل الأخرى، وهنا أعود بالذاكرة الجمعية إلى المؤتمر الوزاري للأمن الغذائي العالمي الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة (مايو 2022)، وأكدت خلاله الحكومة السعودية على اتخاذ خطوات مهمة لتعزيز الأمن الغذائي، ووضعت استراتيجيات تهدف لتعزيز النمو الغذائي، ومواجهة تحديات التغير المناخي وندرة الموارد المائية، وهو ما أسهم في تحسين مؤشرات الأمن الغذائي الوطني.

ولفهم تفاصيل الأمن الغذائي، نلحظ تركيز الإدارة السعودية - ضمن نطاق رؤية 2030 - على جهود التنمية المستدامة في بناء قطاع زراعي مستدام، وتعزيز القطاعات الداعمة للنظم الغذائية، وتطوير النظم وتحسين الإنتاجية الزراعية، وتعزيز قدرات البحث والابتكار لضمان التقدم المستدام للأمن الغذائي.

كما أن هناك جهدا متوازيا يندرج ضمن إطار رفع مستوى الوعي والمشاركة المدنية في ملف "الأمن الغذائي"، ويمكن الإشارة هنا إلى ملتقى (PACE) السنوي والذي نظم هذا العام بمدينة جدة، بحضور الموردين المحليين والدوليين؛ للتشاور من أجل إيجاد الحلول المنهجية لتبعات التضخم العالمي على المستهلكين، وتأمين الأمن الغذائي عالميًا بطريقة مستقرة ومستدامة، والإشادة فيه إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها المبادرات الحكومية والأهلية؛ لتخفيف وطأة التضخم على أسعار المنتجات كمبادرتي “ما تغلى عليك"، و"ثبتناها".

وانطلاقًا من النقطة السابقة، أوصي بالاطلاع على مجالات التركيز الاستراتيجي لبرنامج الأمن الغذائي، والذي وضعته الهيئة العامة للأمن الغذائي، وهي عبارة عن خمسة أهداف مفصلية، وبعض ما جاء فيها: رفع مستويات الاكتفاء الذاتي للسلع الملائمة للنظام البيئي السعودي، ودعم التطوير المحلي لقطاعات تصنيع المنتجات الغذائية الاستراتيجية، فضلًا عن إنشاء آليات وأطر للشركات التجارية، وتحويل المملكة إلى مركز إقليمي لتجارة الأغذية، وتفعيل آليات التعاون في مجال الأمن الغذائي الإقليمي والدولي، والعمل على تحقيق تنوع واستقرار مصادر الغذاء الخارجية، وصياغة الآليات والسياسات المناسبة لتشغيل وإدارة المخزون الاستراتيجي للأغذية، بالشراكة مع الجهات الفاعلة من القطاع الخاص.

وهناك بعض الاتجاهات المتعلقة بهذا الملف، وعلى الرأي العام الوطني استيعابها، الدور النوعي الذي يقوم به "برنامج صنع السعودية"، الذي أطلق في مارس 2021، برعاية من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، وهو مبادرة وطنية أطلقتها هيئة تنمية الصادرات السعودية كجزء من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، ويهدف إلى تحفيز الصناعات الوطنية وتشجيع المستهلكين على شراء السلع المحلية، وتخصيص منصات ومواقع لعرض السلع الوطنية المطبقة لهوية "صناعة سعودية"، اللهم أدم علينا نعمك التي لا تُعد ولا تُحصى.. دمتم بخير.