يثير ارتفاع عدد سكان العالم إلى ثمانية مليارات خلافاً بين اتجاهين يرى أولهما أن الازدياد السريع في أعداد البشر يدل على النجاح في جهود تحسين الصحة العامة، وفي محاولات خفض معدلات الفقر وتوفير الغذاء، فيما يُنبَّه الثاني إلى أخطار مترتبة على ما يسميه البعض انفلاتاً ديموغرافياً.
كان الاتجاه الأول غالباً والتفاؤل بالمستقبل شائعاً حتى وقت قريب. غير أن تفاقم أزمة تغير المناخ، أو بالأحرى تنامي الوعي بها، عزَّز موقف الاتجاه الثاني، ودفع إلى أخذ مجادلاته بجديةٍ أكبر. ويبدو أن بلوغ المليار الثامن في عدد البشر جاء في ظروفٍ تفرض إعطاء مزيد من الاهتمام لهذه المجادلات، التي لا تقتصر على التغير المناخي، بل تشمل أثرَ الازدياد المفرط في عدد البشر على موارد الغذاء والمياه وفرص العمل والتعليم، وغيرها من الحاجات الأساسية.
لكن الملاحظ أن النقاش حول ازدياد البشر في العالم تغيب عنه غالباً مفارقات، أهمها أن بعض الدول تعانى انخفاض أعداد سكانها بشكل مطرد على نحو يُهدِّد مستقبلَها. ففي الوقت الذي يشكو عدد كبير من البلدان النامية من صعوبة السيطرة على انفلات ديموغرافي فيها، تبحث دول متقدمة عن سبلٍ لوضع حد للانخفاض المستمر في عدد سكانها. وعلى سبيل المثال، تجاوز عدد سكان مصر 104 ملايين نسمة في نهاية 2022، بزيادة مليون نسمة خلال سبعة أشهر فقط. وفي الوقت الذي ينوء الاقتصاد في مصر، كما في بلدان نامية كثيرة، بزيادة سكانية تفوق قدراته، تعاني دول متقدمة مشكلة عكسية؛ لأن انخفاض أعداد سكانها بدأ في إضعاف اقتصاداتها. خذ مثلاً الخسائر التي تُهدد مستقبلَ عدد متزايد من الشركات في المناطق اليابانية التي يقل عدد السكان فيها أكثر من غيرها. فالتراجع السكاني مستمر في اليابان خلال السنوات الأخيرة بسبب انخفاض معدلات الإنجاب، والقيود على الهجرة في ظل سياسة الحفاظ على التجانس الثقافي.
ورغم أن هذه السياسة ليست متبعة رسمياً في الدول الأوروبية باستثناء المجر، تعاني القارة العجوز تداعيات انخفاض أعداد سكان بلادها؛ لأن عدد الوفيات يفوق المواليد، فيما لا يغطي صافي الهجرة إليها هذا الفرق في معظم الأعوام الأخيرة. ولهذا بدأت بعض دول الاتحاد في البحث عن سبلٍ للحد من انخفاض عدد السكان، خاصةً في ضوء أن الهرم الديموغرافي صار مقلوباً في بعضها. ولأن الهجرةَ هي السبيل الأساسي، تشتد الخلافات في بعض هذه الدول على السياسات المتعلقة بها في ظل الانقسام داخل الساحة الحزبية. ونجد أبرز تجليات هذا الخلاف الآن في ألمانيا بشأن مشروع لتعديل شروط الحصول على الجنسية.
وإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ لا تقود الأمم المتحدة مبادرةً لتحقيق تفاهم دولي بين البلدان التي تنوء بزيادة عدد السكان، وتلك التي يقلقها انخفاضه، على آلياتٍ ربما تساعد في حل مشكلة هذه وتلك، ومن ثم تقليل معدلات الهجرة غير النظامية بكل مخاطرها؟