هل فكر المثقفون والنقاد العرب في مستقبل التراث الأدبي العربي؟ القضايا تتجاوز حدود الاغتراب اللغوي عن تلك النصوص، من حيث الأسلوب والفوارق في مفردات قاموس البيئة، فالتباين الأوسع إنما هو في الإطار الفكري لطريقة التفكير، جرّاء البون الشاسع في منظومة القيم.


لا ينصرفنّ الذهن إلى أن القلم يريد، لا قدر الله، أن يقول إن القادمين بعد جيل أو بعض جيل سيجدون مشكلات جمّة في التعايش الذوقي والفكري مع نصوص ميراثنا الأدبي، حتى تلك التي ظل الكثير منها في عداد عيون أدبنا الكلاسيكي. للأسف، لقد استخدم المفكرون والأدباء عبارة «إحياء التراث» مراراً لا حصر لها. لكن لم يأت أحد ليقول لنا إن الإحياء يكون للميّت وأن النشور لا يكون بمجرد إعادة النشر. إعادة النشر ليست إحياء حتى ولو كانت بمئات ملايين النسخ. هذه أشبه بأن تكون لديك مومياء وأنت على يقين من أنها لا حياة لمن تنادي، فتأتي وتصنع لها آلاف النسخ بالطباعة الثلاثية الأبعاد. عبثاً تحاول أن تهبّ لك من أجداث القرون. أمّا إذا عثر علماء البيولوجيا الأدبية على نصّ في حمضه النووي نبض حياة في حالة كمون، فعندئذ يصحّ الحديث عن الإحياء وعودة الحياة.

ما يمكن إحياؤه يجب أن تتوافر فيه مقومات الحياة. من أروع الأمثلة «رسالة الغفران» و«رسالة الصاهل والشا حج» لأبي العلاء المعري. الأولى لا نظير لها في التراث العالمي، وأبدع إحياء لها هو أن تكون على غرار فيلم «أفاتار» الذي يجمع بين الواقعي والافتراضي. أمّا «الصاهل والشا حج» فالأنسب القياس على بدائع والت ديزني. في المكتبة التراثية الأدبية ألوان كثيرة لا يمكن إحياؤها بالجملة، خصوصاً حين يكون الانتقاء موجّهاً إلى المناهج. من ذلك ضرورة أقصى التدقيق في النصوص الشعرية من الشعر الجاهلي فصاعداً، كذلك النصوص النثرية مثل الليلة العاشرة من كتاب «الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي، فهي مضحكات من الناحية العلمية في عالم الحيوان. في الكتب ذات الطابع التاريخي، على أهل الاختصاص أن يُبدوا آراءهم في ما يجب نقله إلى الأجيال، وفي مدى صحة غربلة التراث الذي يراد إحياؤه. من أبرز الأمثلة ما جاء في كتاب «أخبار مكة» لمحمد بن عبدالله الأزرقي في الصفحة 66: «باب ذكر ما كانت الكعبة عليه فوق الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض».

لزوم ما يلزم: النتيجة الحوارية: على الأوساط الثقافية أن تتحلى بالشجاعة في طرح هذه المواضيع، فالقادمون هم أبناؤنا وأحفادنا، والميراث ملك لنا.