هذه هي المرة الأولى التي يصف فيها يهود أمريكا، سكان المستوطنات الإسرائيلية بأنهم إرهابيون.
هذا الموقف من منظمات يهودية أمريكية متعددة ضد ما يحدث الآن من قمع إسرائيلي للفلسطينيين، يحتاج أن تسير بمحاذاته وبالتواصل معه، مبادرات عربية غير رسمية لدعم تحركاته، وتحفيز الرأي العام في الولايات المتحدة لتبنّي تلك الدعوات.


إن 13 منظمة يهودية أمريكية وجهت خطاباً إلى شخصيات سياسية وقيادية في إسرائيل تدعوها لإعلان رفضها ضم أراض في الضفة الغربية، وهو ما علقت عليه الصحيفة الإسرائيلية «تايمز أوف إسرائيل» بمقال عنوانه «جماعات يهودية تندد بالإرهاب الذي يمارسه حالياً مستوطنون متطرفون».

والمنظمات التي وجهت هذا الخطاب تضم منظمات: أمريكيون من أجل السلام الآن، ومنتدى السياسة لإسرائيل، ولجنة العمل اليهودي، ودعوة الحاخامات لحقوق الإنسان، والمجلس القومي للمرأة اليهودية، ومنظمة جي ستريت، والشبكة التقدمية الإسرائيلية، (وهي ائتلاف من عشر منظمات يهودية)، وغيرها.

وقالت المنظمات في خطابها إن ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل لا يعتبر فقط مجرد خطأ فادح لا يهدد أمن إسرائيل فحسب، لكنه يمثل تهديداً لفكرة الديموقراطية التي كانت تعرف بها إسرائيل، وأيضاً لوضعها بين دول العالم. وإن الأغلبية العظمى من اليهود الأمريكيين يؤيدون حل الدولتين، للخروج من دائرة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ولمصلحة علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، ومع المجتمع اليهودي الأمريكي.

وقالت أيضاً: «إننا نناشدكم لأن تضعوا في اعتباركم الضرر الناتج عن أي إجراء من جانب واحد لضم أراضي الضفة الغربية، ونطالبكم برفض سياسة الضم التي تتبناها أي حكومة إسرائيلية».

ونلفت الأنظار إلى ما كان الرئيس السابق ترامب، أقدم عليه بالخروج عن التزامات لحكومات أمريكية سابقة، تقضي بعدم تأييد أي إجراءات إسرائيلية من جانب واحد.

ذلك كان مضمون خطاب المنظمات اليهودية الأمريكية، وكانت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قد أبرزته في يوم 8 مارس/ آذار 2023. وأوضحت أن الجماعات اليهودية الأمريكية قد دعت في خطابات أرسلت إلى سياسيين ليسوا ضمن التشكيل الوزاري لحكومة نتنياهو، لأن يرفعوا أصواتهم من أجل وقف العنف ضد الفلسطينيين، والذي يضر بعلاقات إسرائيل مع أمريكا. وقالت «ندعوكم لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة، والعنف السياسي الذي يرتكبه متطرفون يهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين».

وإضافة إلى تلك التحركات الحاشدة من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة، فقد أرسلت ست منظمات أمريكية لحقوق الإنسان، خطاباً إلى إدارة الرئيس جو بايدن تعلن فيه رفضها استهداف حكومة إسرائيل للفلسطينيين المدنيين. وقالت إن صمت الإدارة الأمريكية وعدم إدانتها للتصرفات الإسرائيلية ضد منظمات فلسطينية مدنية، يحدث بينما الإدارة الأمريكية مستمرة في تزويد إسرائيل بدعم عسكري وسياسي غير مشروط. وهذا يعنى أن موقف إدارة بايدن لا يردع تلك الهجمات على المجتمع المدني الفلسطيني.

واتصالاً بذلك فإن أكثر من 500 من معاوني الأعضاء الديمقراطيين بالكونغرس، دعوا إدارة بايدن لمحاسبة إسرائيل على تصرفاتها. ما أحدث انقساماً في صفوف الديمقراطيين بالكونغرس.

ومعروف إن معاوني أعضاء الكونغرس والذين يعرفون باسم Staffers هم الخبراء الذين يعتمد عليهم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، لتعريفهم بكل ما يخص السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، من معلومات.

وقد توقف مجلس العلاقات الخارجية، وهو من أهم المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة، أمام هذا الجدل، بأن طرح سؤالاً هو: «ما هي سياسة أمريكا تجاه النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي؟». ثم قدم إجابة موجزة بقوله: إن إدارة بايدن أعادت تأكيد تأييدها لحل الدولتين، لكنها لم تتحرك بما يؤدي إلى إعادة المفاوضات للوصول إلى هذا الحل.

ويتشابه مع ذلك تصريح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، حين قال: إن واشنطن قلقة من عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين.

وكان التساؤل: وهل يكفي القلق لإيقاف هذا العنف؟

بناء على ذلك كله، فمن المعروف أن الثبات، أو التغيير في سياسات رؤساء أمريكا، يخضع لتأثير ضغوط داخلية من قوى أمريكية خارج الدوائر الرسمية للدولة. ولهذا فإن ما يجري الآن من تحول كبير في مواقف قوى يهودية، يدعونا نحن الطرف الأساسي المعنى بما يتعرض له الفلسطينيين من قهر وإرهاب، بألا تقتصر مواقفنا على مباركة هذه التحركات للمنظمات اليهودية الأمريكية، والإشادة بها، وإنما يلزم لزيادة توهجها ومضاعفة تأثيرها داخل بلادها، أن نقيم معها جسوراً داعمة لها، وتواصل من خلال تزويدها بمعلومات وصور عن الإرهاب الاستيطاني، خارج الإطار الرسمي للعلاقات، والساحة هناك واسعة أمام التحركات غير الرسمية للعلاقات، وذلك حسب القاعدة المعروفة في الولايات المتحدة والقائلة: إن الساحة الأمريكية مفتوحة أبوابها لمن لديه إرادة التواصل مع الداخل الأمريكي، وعرض قضيته عبر قنوات عدة، مثل مراكز الفكر السياسي Think Tanks، والصحف، وغيرها كثير.