كأي لقاء على مستوى القمة بين الزعماء، يغلب المسكوت عنه وما يبقى رهن الكواليس ما يتم التصريح به وإعلانه.. كذلك كان اللقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ في موسكو، حيث اجتمعا على مدى ثلاثة أيام وأنفقا الساعات الطوال في مباحثات مغلقة ومفتوحة، شملت كل القضايا الثنائية والأزمات الراهنة، وأهم من ذلك أوضاع العالم ومستقبل النظام الدولي.

لقد حظيت القمة الروسية الصينية بمتابعة دولية دقيقة، وفيما كانت التوقعات تشير إلى أن الأزمة الأوكرانية ستكون القضية الجوهرية في مباحثات الزعيمين، لم تؤكد البيانات الصادرة عن الاجتماعات أنها كذلك، بل بقيت موضوعاً هامشياً لصالح تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو، والعمل على تحقيق عالم متعدد الأقطاب يضع حداً للهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة. ومع ذلك فإن ما باحت به اللقاءات الروسية الصينية لم يشف غليل المتابعين في الغرب، زعماء وخبراء وإعلاميين، الطامحين إلى جمع أكثر ما يمكن من معطيات وأسرار، رغم أن القناعة الراسخة لديهم أن «الصداقة غير المحدودة» بين ثاني وثالث أكبر دولتين في العالم تؤكد ولادة «تحالف جبار» يحرص بعض الإعلام الغربي على تسميته ب«المحور» مقابل «التحالف»، وكأن في الأمر إسقاطاً لما كان عليه الحال خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية عندما انهزمت دول المحور أمام الحلفاء في المناسبتين.

انفضاض القمة الروسية الصينية لم ينه المتابعة المستميتة من أجل جمع المزيد من المعطيات وتحليلها وتتبع أبعادها، إذ يبدو أن ما تم إعلانه لم يكشف إلا نزراً من الحقيقة، وسعياً إلى اكتشاف ما قد يخفى، عثرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية على لقطة حوارية قال فيها شي جين بينغ لبوتين، قبيل مغادرته الكرملين إلى بلاده، «التغيير قادم ولم يحدث منذ 100 عام.. إننا نقود هذا التغيير معاً.. من فضلك اعتن بنفسك يا صديقي العزيز». وإذا صحت هذه الجملة الوداعية، فإنها أبلغ من كل البيانات الصادرة عن القمة لأنها تختزل التوجه الذي يسير إليه العالم، وتؤكد تصميم موسكو وبكين معاً على إحداث تغيير عميق يعيد تأسيس النظام الدولي على مراكز قوة جديدة، وربما مواثيق ومعاهدات لم تكن معروفة من قبل.

النتائج التي توصلت إليها قمة بوتين وشي التاريخية، أبعد في تأثيراتها وأهدافها بين موسكو وواشنطن، فالعلاقات بين البلدين استراتيجية ومؤسسة منذ سنوات على الوقوف في خندق واحد في مواجهة القوى الغربية، التي بدأت تستشعر الخطر وتخشى من التغيير القادم، وتحاول أن تكبحه بأي طريقة، بما في ذلك في أوكرانيا التي يحاول فيها كل طرف، الغرب وروسيا، أن يحفر جباً للطرف الثاني. وها هي هذه الحرب تبلغ شهرها الثالث عشر وكأنها مازالت في يومها الأول. وذلك لأنها حرب أوسع من حدودها الجغرافية، ووظيفتها تحقيق أهداف تصب في مشروع «التغيير القادم» الذي تنخرط فيه روسيا والصين، ويحاول الغرب مقاومته، رغم أن المؤشرات تشير إلى أن الانقلاب وقع، وأن ما توافق عليه بوتين وشي في قمتهما ببكين عشية حرب أوكرانيا العام الماضي، تؤكده قمة موسكو الأخيرة سراً وعلناً.