تمر بالبشرية هذه الأيام موجات من الغلاء وارتفاع الأسعار لمعظم السلع والخدمات التي يحتاجها البشر في حياتهم ومعيشتهم اليومية، وموجة الغلاء هذه تطال المستهلك في دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً وتلتهم جانباً مشهوداً من مداخيله الفردية.
ومنذ أن ألمت بالعالم جائحة «كوفيد- 19»، أو ما يعرف بـ «كورونا» في السنوات الثلاث الأخيرة ودول العالم تشهد ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والتموينية لم تشهد لها مثيلاً من قبل، وزاد من تفاقم ارتفاع الأسعار استعار أوار الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وبالتأكيد أن ارتفاع الأسعار العالمي ينعكس على مستويات الأسعار في داخل الدول أيضاً، وكان لأسواق الإمارات نصيبها من تلك الارتفاعات. هذه الارتفاعات في الأسعار لها من العوامل ما هو داخلي يخص كل دولة على حدة، وما هو خارجي لا يمكن لأي دولة أن تتحكم فيها أو أن تحد منها إلا ما ندر.
وبإلقاء نظرة على السوق المحلي للإمارات نلاحظ بأن قطاع التجارة يحتل مركزاً متقدماً في الاقتصاد الوطني ضمن مكونات الناتج الوطني ويعتمد عليه جزء كبير من البشر في كسب مداخيلهم ومصادر عيشهم.
خلال سنوات الجائحة أخذ النشاط الاقتصادي في الميلان نحو الركود، وأصبح ذا معدلات نمو منخفضة إذا ما قورن بالسنوات السابقة، وهذا يعني أن اتجاهات تراجع النمو خلال سنوات الجائحة فاقمت الأوضاع وأدت بها إلى شبه ركود اقتصادي وتجاري على المستوى العالمي بأكمله.
وبالتالي هذا يؤثر على السوق المحلي.
لكن بزوال الجائحة وأيامها المعيقة، ومنذ منتصف عام 2022م، ظهرت مجموعة عوامل كان لها الأثر في نقل الاقتصاد إلى وضع الانتعاش وتحسن الأوضاع التجارية الداخلية، من أهم تلك العوامل: أولاً، الزيادة المجزية في إيرادات الدولة من المناشط المختلفة، خاصة ارتفاع أسعار مصادر الطاقة في الأسواق العالمية نتيجة لشح المعروض منها بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية وتوقف الإمدادات الروسية عن عدد من دول أوروبا، والتي انعكست آثارها على الميزانيات العامة للحكومات المحلية وللموازنة العامة للحكومة الاتحادية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن موقف الحكومة بزيادة الإنفاق العام وتشجيع المشاريع التنموية له أثره في دعم الاقتصاد وتوفير الظروف المناسبة لعجلة الإنتاج في البلاد.
ثانياً، لارتفاع مستويات المعيشة في البلاد دوره في ارتفاع موجة الغلاء، إن ارتفاع مداخيل الأفراد مقارنة بما هو موجود في دول الإقليم الأخرى، تجعل من مستويات المعيشة مرتفعة ولها أثرها الواضح في إنعاش الأسواق المحلية على المستوى الوطني بفعل زيادة الطلب على كافة أنواع السلع.
وهذا يعتبر تأثيراً إيجابياً مهماً من زاوية أن ارتفاع المداخيل يؤدي إلى زيادة الإنفاق من جانب، وزيادة المدخرات من جانب آخر، وزيادة المدخرات يؤدي إلى زيادة في تمويل المشاريع الخاصة الصغيرة، التي عادة ما تكون في شكل شراء الأسهم والأصول الأخرى التي تسهم في مجمل النشاط الاقتصادي.
ثالثاً، من العوامل الإيجابية عودة جانب من رؤوس الأموال المستثمرة في الخارج إلى الداخل بحثاً عن فرص محلية آمنة للاستثمار، وتجنباً لبعض المخاطر التي تواجهها في الخارج، في أعقاب التطورات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية العالمية والهزات الشديدة التي أصابت عملات الدول وأسهم الشركات في الغرب ودول آسيا ودول العالم النامي وما تبع ذلك من تدني في أسعار الفائدة ومعدلاتها وانهيار أسهم الشركات.
*كاتب إماراتي