عند الحديث عن المدرسة السعودية بالرس، هناك حكايات تُروى، وقصص تُقال، وأحداث لن تُنسى، وإنجازات لا تغيب عن البال، ورجال متميزون كانوا طلابها، وأساتذة ومعلمين ملهمين كانوا القدوة والمحفّزين لما سيكون بعد، ومديرها الذي لم يكن ككل مديري المدارس.

* *

أجيال مرت على هذه المدرسة ولا تزال، نهلوا منها ما أهّلهم لأعلى الشهادات، وأهم مراكز العمل، في القطاع العام والخاص، وكلما كان الحديث عن المدرسة، كان تالياً الكلام الجميل عن النُخب من خريجيها، وعن الرموز من أساتذتها، وعن التاريخ المبهج والسار عنها.

* *

مبنى متواضع من الطين هو كل ما توفر في مدينة الرس لإقامة المدرسة وافتتاحها فيه، لكن مستوى التعليم والتربية لم يكن كذلك، كان نوعياً، وغير مألوف، وكان ترجمة لقيمة الإنسان، والاهتمام به تعليماً وتنشئةً وتربيةً وإعداداً لما سيكون عليه فيما بعد.

* *

في عام 1363هـ افتتحت المدرسة، تم ذلك منذ ثمانين عاماً، فلم نسمع بحفل أُقيم تذكيراً بهذه السنوات التي مضت وانقضت من عمرها وكانت حافلة بكل ما يسر الخاطر، أو تفكيراً جاداً على إحياء ذكراها، لإسعاد الأحياء من أساتذتها وطلابها بما يمكن أن يُقال عنها وعنهم، فكانت مقالة الأستاذ سليمان الجاسر الحربش -وهو أحد طلابها- في عدد الجمعة الماضي من صحيفة الجزيرة، وكأنها دعوة إلى إنصاف هذه المدرسة وإن لم يصرح بذلك.

* *

وما لم يقله الأستاذ الحربش، هناك الكثير مما تختزنه ذواكر الآخرين، ممن سبقوا الحربش أو كانوا معه، أو التحقوا فيما بعد في هذه المدرسة بوصفها إحدى أوائل المدارس في السنوات العشر الأولى على بداية التعليم النظامي على مستوى المملكة، ما يعني أن عليهم أن يفصحوا عن أي معلومة أو وثيقة يُستفاد منها في تدوين تاريخ المدرسة منذ التأسيس وإلى اليوم.

* *

وأجزم أن هناك الكثير من الباحثين، إذا ما توفرت لديهم المعلومات، والوثائق، والمستندات، ومصادر البحث التي تعينهم على توثيق رحلة الثمانين عاماً لمدرسة الرس السعودية مع التعليم، سوف يقومون بما يجب لما لها من أسبقية مع عدد محدود من المدارس على مستوى المملكة في تأسيس التعليم، وإثراء الحركة التعليمية بكل توهجها رغم ضعف الإمكانات آنذاك، والبدايات الخجولة في التعليم النظامي.

* *

ومثل المدرسة السعودية بالرس هناك مدارس أخرى مماثلة على مستوى المملكة، وتحتاج إلى تسليط الضوء عليها، والتعرّف على مراحل تاريخها، ومخرجاتها، والتميز الذي تتمتع به، وقد آن الأوان أن نعيد كتابة تاريخ التعليم بدءاً من البدايات، موثقاً باختيار نماذج من تلك المدارس ذات الأقدمية في التأسيس، وكفاءة الإنتاج، وتوظيفها للتأكيد على اهتمام الملك عبدالعزيز المبكر بالتعليم.

* *

في كلام الأستاذ الحربش، الكثير من المعلومات التي لم تُقل من قبل، وهي فاتحة لفتح ملفات الآخرين، والإفصاح عمَّا لديهم من إضافات سواء مكتوبة، أو مما تختزنه الذاكرة، لعل هذا التجاوب منهم يساعد على بناء أرشيف معلوماتي عن أقدم مدرسة في تاريخ مدينة الرس، بعد أن قال الحربش ما قاله عنها، وفتح الطريق لغيره.

* *

بالنسبة لي، لقد درستُ في المدرسة السعودية السنتين الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية قبل أن انتقل إلى المدرسة الفيصلية الابتدائية بعد افتتاحها بحكم قربها من منزلنا، وخلال هاتين السنتين كنت أجدني في بيئة تعليمية جاذبة ومحفِّزة وقادرة على إدخالنا -كأطفال- في سكة التعليم النظامي دون تبرّم أو انزعاج أو خوف أو عدم قبول، بفضل حسن الإدارة والتوجيه وكفاءة المدرسين، وهذا ما شجعني على هذا التعليق عن المدرسة السعودية الابتدائية في مدينة الرس.

* *

وهذه فرصة لأتوجه بأمل لأمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل صاحب المبادرات غير المسبوقة ليوجه سموه بتسمية شارع من شوارع محافظة الرس باسم أول مدير للمدرسة فيها الأستاذ الكبير عبدالله العرفج -رحمه الله-، تقديراً لدوره الكبير في وضع لبنات تأسيس المدرسة السعودية قبل ثمانين عاماً.