في افتتاح اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري قدم الشيخ صالح الحصين تصوراً نظرياً للطبيعة البشرية قائلاً: "إن الطبيعة البشرية تميل أو تندفع في كثير من الأحيان إلى الإسراف في جانب معين لأن قليلًا من الناس ينظر النظرة الشمولية، فمهما صلحت النية والمقصد فإنه من الناحية العقلية تكون الطبيعة البشرية من النادر أن تمكن الإنسان من النظر إلى الحقيقة نظرة شاملة".

وهذا في تصوري ينطبق على ظاهرة العالم الافتراضي، فعلى الرغم من أن العصر الذي نعيشه يعتبر عصر النضج الفكري لكنه عند بحث هذه الظاهرة نرى أنها لم تبلغ من الإسراف مثل ما بلغته اليوم.

فالخروج من نفق هذه الظاهرة الافتراضية إلى الواقع لن يكون إلا بإنضاج الوعي وعقلنة التجربة، وذلك عن طريق دراسة حركة الأفكار في المجتمع، إذ إن الأفكار في بعضها تقوم على بنية تضادية، فالتناقض يستشري في الأفكار إلى درجة يصعب معها التعرف على المقاصد الحضارية لما يفكر فيه، وذلك بسبب غياب الثوابت المنهجية التي تهب التيار الفكري نسقًا معرفيًا يعين على فهم التناولات الفكرية.

والوقوف على أسلوب التناول الفكري ذلك أن ما تتناوله وسائل التواصل الاجتماعي هو القضايا والموضوعات نفسها التي كانت متداولة قبل ربع قرن، فالأفكار تدور حول نفسها ثم تدور بعيدًا عن واقعها، والسبب أنه أدخل إلى ساحة الحوار بقصد أو بدون قصد قضايا كانت محسومة وأعيد تدويرها بالإضافة إلى تناولها لقضايا وموضوعات كبرى لا تحسن هضمها، وممارسة النفوذ في المجتمع مما سبب حيرة ثقافية وفكرية.

مما يحتم دراسة الواقع الفكري والإعلامي وإخضاعهما لنسق عقلاني وطني ينبع من واقع يمثلنا لمقتضيات حياتنا وحاجات ضميرنا، وموضوعات بيئتنا وتوجيههما نحو غاية واضحة، فالإعلام مهمة وطنية في المقام الأول.

إذ إن هنالك خللًا في طريقة طرح الأفكار، إذ يبرز كماً هائلاً من التناظر القائم على الحماسة والعاطفة والإبهام والغموض وفتح الثغرات والمناوشات والمجادلات مما يستوجب وضع تلك الأفكار تحت مجهر البحث العلمي ليتسنى الحكم الموضوعي عليها وتقييم الدور الذي تقوم به، ومحاولة وضع أصول وقواعد للسجالات والتحاور الموضوعي.

والتفكير في إنشاء مركز فكري يدرس الأفكار والقضايا الكبرى، ويرصد حركتها في المجتمع ويعالج المشكلات الفكرية المختلفة، ويرفع درجة الوعي عن طريق إعادة الثقة للأفكار الناضجة وتوظيف المعلومات العلمية المتوازنة حول القضايا الفكرية الخلافية، وبسط الثقافة المحايدة لسد الفجوات المفتوحة، واحترام التنوع الفكري، والتعبير عن الأفكار في إطار الأعراف العلمية والتقاليد الثقافية.

وإعادة النظر في تعريف صفات المجتمع المحافظ، وفتح الباب واسعًا على الآخر، والتعرف على فلسفته وحضارته، فالواقع العالمي قائم على التواصل بين الثقافات عبر مختلف الوسائل وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي والتي تحتاج الى إعادة نظر في منهجياتها، فالتطورات التقنية الهائلة وتداخلاتها مع العوالم الافتراضية وانصرافها عن الإنسان الواقعي الاجتماعي، وإحلال الإنسان الافتراضي بديلًا للإنسان الواقعي، وقطع صلته بالواقع الحقيقي والأخذ به إلى العوالم الافتراضية واللافكرية وتثبيته في عالم المخيلة والتصورات الذهنية والنزاعات التأملية السلبية، والتي يرى الدكتور جميل نصيف بأنها تؤدي إلى تحطيم الثقافة التقليدية السائدة وإحلال ثقافة افتراضية تقوم على سيادة اللحظة، وأن كل ظاهرة هي حادث عابر لن يتكرر أبدًا وموجة يجرفها تيار الزمن، فتكون العلاقة بالأشياء والأشخاص يحكمها التغيير وهي في الواقع، تعبر عن نظرة سلبية للحياة والاكتفاء بدور المشاهد والانعزال وعدم الالتزام بشيء لأنها تقوم على ما هو لحظي وبصري.

ويحذر المفكر أرنولد هاوزر من الانخداع بالتطورات التقنية الهائلة بحيث تصرف النظر عن الإحساس بالواقع، فالسرعة المخيفة للتطور والتطور السريع للتكنولوجيا تؤدي إلى سرعة تغير الأمزجة وشغف جنوني بالموضوعات النادرة والتافهة وتحويل المعقول إلى سطحي، والشغف بالجديد لمجرد كونه جديدًا، وتضاؤل الإحساس بالقيم وفي موقف الإنسان من الحياة بأسرها، فإذا كان الإنسان يتنقل في حياته ما بين السكوني والحركي فإن التطورات التقنية أخلت بهذا التوازن، وأصبح الإنسان الحديث نتاج هذا التطور التقني الهائل والذي اصطبغ فيه الفكر والثقافة بصبغة آلية لا روح فيها.

وكما يقول أستاذ الإعلام الدولي الدكتور عبدالله الطويرقي:

"وحدتنا الفكرية يا سادة يجب أن تكون ذات قيمة وهدف قومي واضح وصريح ومبني على أسس قوية لا تنهار أمام فكر (سوشلي) متخلف".

المسؤولية ملقاة على عاتق أصحاب الدرجات العلمية لرسم طريقنا الإعلامي الصحيح.