للقاتل اسم واحد هو: القاتل..
وللضحية اسم واحد هو: الضحية..
وللضمير اسم واحد هو: الضمير..
تذكرت دون خشية من تهمة أو شبهة هذا الكلام لمحمود درويش في كتابه «عابرون في كلام عابر»، كما تذكرت ما قاله فيكتور هوجو «لا قوة كقوة الضمير»، ووجدت مثلا روسيا يقول «في داخل كل منا محكمة عادلة تبقي أحكامها يقظة في نفوسنا، هي الضمير..!»، كما وجدت من قال: «الضمير يساوي ألف شاهد»، وفي نفس السياق وجدنا مقولة بالغة الدلالة والمعنى: «قالوا عن الوعي نوم، وقالوا عن موت الجسد: وفاة، ولكنهم لم يسموا موت الضمير لأنهم لم يجدوا اسما يليق ببشاعته»، كما قيل «عندما يغيب الضمير تموت المبادئ، وتكفن الأخلاق، ويؤمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق»..!
نتحدث عن الضمير، وحتى لا يختلط الحابل بالنابل نتحدث عنه بمناسبات ثلاث تستدعى الحديث عن الضمير، الأولى مناسبة اليوم العالمي للضمير الذي يصادف غدا الأربعاء 5 أبريل، والهدف منه تعبئة جهود المجتمع الدولي على نشر قيم السلام والتسامح والاندماج والتفاهم والتضامن الفكري والمعنوي بمحبة وضمير، والثانية على وقع ما كشفه الزلزال المدمر الذى ضرب سوريا وتركيا والذي من ضمن تداعياته ما كشفه لنا من ضمائر ميتة لدى من تراخوا في إنفاذ قوانين البناء وسلامة المباني في بعض المناطق المتضررة، أما المناسبة الثالثة فهي لا تتوقف عند حدود محددة وإن كانت تلتقى عند معنى واحد ووحيد هو انعدام الضمير، وربما على أساس ذلك دأبنا في بعض الحالات على القول «فلان ما عنده ضمير» لأناس نكتشف أن الضمير لا يشكل لهم شيئا، أو أن الضمير عندهم يحتل أدنى مراحل السلم الضميري..!
بالنسبة للمناسبة الأولى، اليوم العالمي للضمير، هو يرتكز على هدف بناء ثقافة السلام والتسامح والتضامن من أجل بناء عالم قوامه السلام المستدام والتضامن والوئام، وتحفيز الدول وجميع المنظمات الدولية والإقليمية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص للعمل في سبيل هذا الهدف، وجعل ثقافة السلام راسخة في العقول، والعمل على أن السلام ليس هو غياب الخلافات أو النزاعات فقط، بل هو أيضا عملية إيجابية تشاركية مرتبطة بقبول الاختلافات وتحقيق الديمقراطية والحقوق المتساوية للرجل والمرأة، والعمل على كل ما يحقق العدالة والتنمية للجميع.
تلك الأهداف كنا وما زلنا في أمس الحاجة لبلوغها وترجمتها على أرض الواقع على أكمل وجه، ولن يتحقق ذلك إلا إذا توافرت الإرادة الحقيقية، والضمير الحي الذي لا يقبل أي تهاون أو ما يحرف بوصلة الضمير، وأسوأ ما يمكن أن يواجه أي مجتمع حين لا يكون للضمير حضوره اللازم، أو يكون هذا الضمير ميتا، أو في غرفة الإنعاش، في الوقت الذي يجب أن تكون كل الأيام هي أيام للضمير، الضمير الحي وليس الضمير المستتر أو الغائب، أو الضمير الذي لا يعرف ‘لا على الورق، ولا يخرج عن دائرة الشعارات البراقة..!
المناسبة الثانية التي تفرض علينا الحديث عن الضمير ما كشف عنه بعد ساعات من وقوع كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا وأدى إلى سقوط أقنعة نالها الدنس وغاب عنها الضمير، حين انهارت عمارات سكنية ضخمة وحديثة في بعض مناطق تركيا مما فاقم من أعداد الضحايا، المأساة أن بعض المباني شيدت قبل عام واحد فقط مقابل صمود عمارات سكنية قديمة جدا في وجه الزلزال، والسبب انعدام ضمائر عشرات من المقاولين وأصحاب المباني المدمرة الذين حاول بعضهم الهروب برا وجوا ومعهم مبالغ مالية كبيرة، ومعهم بعض المسؤولين، والسبب أن هؤلاء شيدوا المباني بشكل لا يتوافق مع معايير البناء المطلوبة، ولا يهمهم إن كانت هذه المنازل ستتحول إلى ركام فوق ساكنيها، وهو الأمر الذي إلى وصف هؤلاء بتجار زلازل، الضمائر عندهم ميتة..!
وبالإضافة إلى ذلك، وجدنا الضمير غائبا لدى من أعلنوا عن حملات وهمية لجمع التبرعات مستغلين الفضاء المفتوح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تجلى هذا الغياب حين انكشفت عورة متشدقين بالإنسانية وحملة لوائها سواء من جانب من حولوا إحداث الزلزال الذي ضرب سوريا تحديدا إلى ساحة للرقص على آلام وأوجاع وجراحات السوريين النازفة بسبب حسابات شخصية، أو نزاعات سياسية، أو تبعية ما لهذا أو ذاك..!
المناسبة الثالثة التي لا تتوقف عند حدود معينة ولكنها تلتقي عند معنى واحد عنوانه «انعدام الضمير» وتحت هذا العنوان تتوالد الأمثلة ومن ضمنها: المتاجرون بالدين والمظاهر الإيمانية، وأولئك الذين يقذفون بحممهم في وجه أي اختلاف، ويشوهون صورة وسمعة من يختلفون معهم، يضاف إليهم أولئك الذين يبثون الشائعات الكاذبة ويبالغون في قراءة الأحداث ويزورون وقائعها، وكذلك من يمارسون الغش المتعمد بدافع الجشع في الغذاء أو الدواء أو المواصفات، وحتى الذين يتراخون في أداء واجباتهم الوظيفية، ولا يحترمون قدسية المهنة التي يعملون فيها، ولا يلتزمون بضوابطها بما في ذلك مهن تعد من أنبل وأرقى المهن، الطب، التمريض، الهندسة، الإعلام والصحافة، وغيرها من المهن التي يمكن أن نجد فيها وبوضوح ضمائر معتلة أو غائبة..!
بقي أن ننتبه إلى ما يمكن الإشارة إليه بالضمير العام، إذا التفتنا إلى الكثير من الوقائع والحوادث والقضايا التي بدأ كثير منها يأخذ حيزا من اهتمام صحفنا المحلية، بل تكاد تصبح مادة شبه يومية، مادة مثيرة للفزع، أصبحنا ننظر لها، ونتعامل معها كأنها أمر روتيني، فيما هي تعبر عن وجه من أوجه موت الضمير العام، فالضمير العام هو الذي يرفض، يدين، يستغرب، يستنكر أي تصرف خاطئ، وعندما يموت الضمير، أو يدخل غرفة الإنعاش يمكن أن نقول علينا السلام!!
التعليقات