لا مفر من القول إن توافق العرب ولم شملهم السياسي ضرورة، كي تنجح دوله في مواجهة التحديات التي تحدق بهم، أو على أقل تقدير التقليل من حجم التداعيات الناتجة عما يحدث من تغييرات استراتيجية باتت متسارعة.

وحسب المعطيات والأجواء السياسية العربية الآن أصبحت هناك مؤشرات تؤكد أن العمل العربي سيشهد نشاطاً وحراكاً دبلوماسياً أكبر بفضل عدد من أعضائه، وإن كان بحاجة إلى دفعة معنوية أكثر قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في 19 من الشهر الجاري.

مناسبة هذا الحديث تلك المكالمة الهاتفية التي تلقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الأحد الماضي، بعد صدور القرار العربي بعودة سوريا لنشاطها السياسي في الجامعة العربية.

فالمكالمة بجانب أنها تحمل تقدير القيادة السياسية السورية للدور الإماراتي في القرار العربي في التمهيد لهذه العودة المستحقة بعد 12 عاماً من الغياب، فإنها تعبر عن امتنانها للوقفة السياسية الإماراتية الجريئة لتقوية «مناعة الوطن السوري» وتعزيز حصانته كي يتمكن من التصدي للتحديات التي كان يتعرض لها؛ لأن الوطن السوري بالنسبة لدولة الإمارات كأي وطن عربي آخر هو جزء من العالم العربي، وأي اختلال في استقراره بديهياً لن يستقيم مفهوم العمل العربي المشترك فيه، ولا يمكن الحديث عن استقرار الأمن القومي العربي، فقد شعر العرب بذلك من خلال ما يحدث في العراق وليبيا واليمن؛ وعليه فمنذ 27 ديسمبر عام 2018 عندما أعلنت الإمارات، الدولة السباقة في استقراء المتغيرات على الأرض، إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، بدا الأمر وكأنه انعطافة عربية باتجاه تضييق الافتراق العربي عن سوريا، ومع مرور الوقت بدت حالة الجفاء الدبلوماسي تضيق وتختفي في مقابل أن الانفتاح العربي على أحد أهم الأعضاء فيه يتسع، حتى بتنا نسمع أصواتاً أبعد من الصوت العربي والإقليم المجاور لسوريا تجهر بأهمية عودة دمشق للتفاعل مع أشقائها والمجتمع الدولي، فكانت الخطوة الإماراتية بمنزلة الأرضية الدبلوماسية التي مهدت لقرار وزراء الخارجية العرب يوم الأحد الماضي بعودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية.

في الدفاع عن أهمية عودة سوريا عربياً علينا أن نذكر ثلاثة متغيرات تجعل من هذه العودة ضرورة؛ المتغير الأول: أن حالة الاختراق السياسي والأمني في هذا البلد لها أبعاد متداخلة ومربكة للعرب، من قبل المتنافسين الإقليميين، إيران وتركيا وإسرائيل، والمتنافسين الدوليين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل مسألة البحث عن الاستقرار أو التفكير في مواجهة التحديات الأمنية مرتبطة بطبيعة علاقات هؤلاء المتنافسين، وظهرت بالتالي قناعة بأنه لا مجال لاستقرار سوريا وتنشيط العمل العربي إلا باسترجاع سوريا موقعها العربي أولاً.

المتغير الثاني في الدفاع عن عودة سوريا يتمثل في أن هذا البلد بات ساحة مفتوحة لتنامي التنظيمات المتطرفة ومافيا المخدرات ذات الأبعاد المهددة للأمن الإقليمي، وهو ما ظهر بوضوح في الغارة الجوية التي أدت إلى مقتل مرعي الرمثان، أحد أخطر تجار المخدرات في سوريا والأردن، بل والعالم، وقبله القضاء على تنظيم «داعش»، وهو واحد من أخطر التنظيمات الإرهابية التي مرت على العالم.

والمتغير الثالث الأخير: التطورات الحاصلة في الساحة الدولية التي بدأت تتشكل من خلال استمرار ظهور وتطور تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، التي فرضت على دول العالم أن تعود لتعمل ضمن التحالفات والمنظمات التقليدية وذات الطبيعة الجيواستراتيجية المشتركة، مثل: حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ودول الاتحاد الأوروبي؛ لأن حالة الافتراق والابتعاد تعطي انطباعاً سلبياً حول العمل العربي في مواجهة التحديات التي بدأت تغير الخرائط السياسية العالمية والإقليمية.

هناك تفاصيل كثيرة في مساعي الدبلوماسية الإماراتية في «لم الشمل» العربي من أجل استعادة عافيتهم السياسية ولياقتهم الوطنية لمواجهة التحديات والتمهيد للمستقبل، الذي لن يتأتى إلا بعدم الوقوف أمام ركام التخاصم السياسي الذي لم تجنِ الشعوب العربية منه سوى الفراغ السياسي والأمني، ليستفيد منه خصومهم في المنطقة والعالم، ولكن علينا، نحن المتابعين للعمل السياسي العربي، إدراك أن دولة الإمارات كان لها دور كبير في عودة سوريا عربياً، وأن ما تم الأسبوع الماضي أمر طبيعي أفرزه الواقع السياسي الجديد في المنطقة، كما أن علينا إدراك أنه منذ أن قررت الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018 فإن هذه العودة كانت «منتظرة» عربياً، لكن الموضوع كان مسألة وقت لا أكثر؛ لسبب بسيط، هو أن دولة الإمارات تتعامل مع المتغيرات السياسية وفق منطق الواقع والعقلانية السياسية.