تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو من تمرير الموازنة العامة لإسرائيل 2023 – 2024، والعبور مرحلياً من أزمة معتادة من مكونات الائتلاف، وقد تم ذلك من خلال تسوية الخلافات المثارة حزبياً بين أعضاء الائتلاف حول بنود، وموجهات الميزانية العامة للدولة مع حزبي «القوة اليهودية» الذي يتزعمه ايتمار بن غفير، و«الصهيونية الدينية» الذي يتزعمه وزير المالية بتسئيل سموترتيش، حيث منح رئيس الوزراء نتنياهو حزب «القوة اليهودية» مبلغاً إضافياً قدره 250 مليون شيكل من فوائض الميزانية، والذي سيتم توجيهه بالفعل إلى منطقتي النقب والجليل، وسيؤدي إلى تأهيل المناطق التي تحتاج إلى مزيد من المشروعات وبرامج التنمية، كما تم توجيه مبلغ قيمته 250 مليون شيكل لمعاهد تعليم التوراة.

ورغم ذلك، فان المشهد الاقتصادي العام يمضي في مسارات متعددة، أغلبها سلبي، منها أن معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلي بلغ 6.8%، على أساس سنوي، في الربع الثاني من العام الجاري، وجاءت محركات ذلك الارتفاع من ارتفاع بنسبة الإنفاق الاستهلاكي الخاص. كما جاءت المؤشرات السلبية، خاصة على مستوى القروض الإسكانية التي أدت إلى ارتفاع الفائدة البنكية في العام الأخير إلى رفع أقساطها بآلاف الشيكلات، بمجموع سنوي، للعائلة الواحدة.
وقد أفضت تقديرات النمو في إسرائيل إلى 2.7% فقط، بانخفاض 0.3% مقارنة بالتوقعات السابقة، وإلى 3.1% في عام 2024. بالإضافة إلى ذلك، استمر التحذير من أن جباية الضرائب في العام الجاري 2023، ستكون أقل بمقدار 5.3 مليار شيكل من التوقعات التي تم إعدادها في ديسمبر الماضي. كما أن حصيلة الضرائب في العام المقبل، 2024، ستكون أقل بمقدار 11 مليار شيكل، عن التقديرات الأولى، وهذا يعني أنه خلال أقل من عامين، سينقص الخزينة العامة 16 مليار شيكل، عدا الصرف الزائد الذي سيزيد العجز في الموازنة العامة. وإزاء استمرار ارتفاع التضخم المالي الذي سجّل في شهر أبريل الماضي ارتفاعاً بنسبة 0.8%، وفي الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بات التضخم 2%، وذلك في ظل ارتفاع الأسعار الاستهلاكية التي لا تتوقف عن التصاعد، ما يعني أن وتيرة التضخم في ارتفاع مستمر، وقد يكون إجمالي التضخم في هذا العام أعلى من التوقعات القائمة حالياً، وهي 3.9%. كما أن بنك إسرائيل من المتوقع أن يرفع الفائدة البنكية مجدداً. وهذا يعني استمرار ارتفاع تكلفة المعيشة للمواطن الإسرائيلي.

ولا شك أن التعديلات القضائية قد تؤثر على معنويات المستثمرين، وتضر بالاقتصاد، وقد سجل الشيكل أدنى مُستويات له أمام العملات المركزية، خلال ثلاث سنوات، ولهذا فإن تصريحات محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، لا تعكس صورة واضحة حول الاستراتيجية التي يعتزم البنك اتباعها في المستقبل مع سعر الفائدة، وذلك في حال الاستمرار في رفع الفائدة للحد من التضخم.

وكانت اللجنة النقدية في بنك إسرائيل المركزي قد قررت مؤخراً رفع سعر الفائدة للمرة العاشرة منذ أبريل 2022، وذلك بنسبة 0.25% (25 نقطة أساس) لتصل إلى 4.75%، الأمر إلى أدى لارتفاع مؤشر أسعار المستهلك في إسرائيل، بنسبة 0.8% في أبريل الماضي، ورغم إصرار اللجنة النقدية في بنك إسرائيل على اتباع استراتيجية رفع أسعار الفائدة في محاولة للسيطرة على التضخم، إلا أنه سجل مستويات مرتفعة، وظل عند 5%.

وفي أعقاب الزيادة الأخيرة في سعر الفائدة، تشير كل التقديرات إلى زيادة متوقعة في السداد الشهري لمتوسط الرهن العقاري بمقدار 1150 شيكلاً على الأقل. ولهذا ارتفعت أسعار النقل والمواصلات بنسبة 2.5%، وارتفعت أسعار الإسكان بنسبة 0.5%، وكذلك أسعار الغذاء التي ارتفعت بنسبة 0.4%.

وقد أكدت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز»، تصنيف إسرائيل (AA-/A-1+) مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها حذرت من أن تداعيات التعديلات القضائية - التي يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي تمريرها - يمكن أن تعرقل مسار النمو. وقد توقعت الوكالة أن يبلغ النمو الاقتصادي في إسرائيل 1.5% في نهاية عام 2023، وذلك على الرغم من مرونة الاقتصاد الإسرائيلي، وميزان المدفوعات، والمستوى المعتدل للدين العام كعوامل في الإبقاء على استقرار نظرتها المستقبلية، الأمر الذي أدى لانخفاض كبير في عدد، ونطاق استثمارات التكنولوجيا العالية – على سبيل المثال لا الحصر - حيث بلغت في الربع الأول 2023، 1.7 مليار دولار فقط، وهو أدنى رقم ربع سنوي منذ عام 2019، في حين أن هناك تراجعاً في معدلات الاستثمار في الشركات الناشئة، وفي نطاق ما يجري، ويثقل كاهل الميزانية الإسرائيلية، وتبقى أعباء أخرى جراء كل يوم مواجهة عسكرية للجيش في الأراضي المحتلة، حيث تبلغ حوالي 56 مليون دولار، كل هذه التطورات وغيرها، تمثل تكلفة عالية يدفعها الاقتصاد الإسرائيلي، وسيستمر في دفعها في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار سياسياً وأمنياً.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية