قال أبو الهذيل: بلغني أنَّ رجلاً يهودياً قدم البصرة وأسلم –وكان (يدسّ السم بالعسل) - فقلت لعمّي: امض بي لهذا اليهودي أكلمه، فقال لي: يا بني دعه فلسانه طويل، المهم دخلنا على اليهودي فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوّة موسى عليه السلام، ثم يجحد بطريقة ملتوية نبوءة نبينا عليه أفضل الصلوات:

فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال لي: يا بني أوما تدري ماذا فعلت بمشايخكم؟ ولكن سوف أبدأ وأسألك: أنت أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحّت نبوّته، فقلت له: إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين: أحدهما: إني أقرّ بنبوّة موسى الذي أخبر بصحّة نبوّة نبينا المصطفى، وأمرنا باتباعه وبشّر بنبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته، وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا ولم يأمر باتباعه، ولا بشر به، فلست أعرفه ولا أقرّ بنبوته وهو عندي شيطان مخزٍ، فتحيّر أنت مما قلته لك، وسألني: ماذا تقول بالتوراة؟ فقلت: أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين: إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقرّ بنبوة سيدنا محمد، فهي التوراة الحق، وإن كانت الذي تدّعيه أنت فباطل وأنا غير مصدق له.

فقال: أحتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك، فظننت أنه يقول شيئاً من الخير، فوجه لي بعض الإساءات همساً، متمنياً أن أشتمه وأضربه ليقام عليَّ الحد، فلما شاهد ابتساماتي الساخرة منه أسقط في يده، وتلعثم وصمت، فأقبلت على من كان في المجلس، فقلت لهم: أعزكم الله، أليس قد أجبته، وحشوت فمه بالتراب.

فأخذته الأيادي بالنعال، فخرج هارباً من البصرة، –هذا كان من الماضي، أما في وقتنا الحاضر، فقد عاصرنا شيخنا المرحوم ابن عثيمين –وهو من أكفأ العلماء وأخفهم ظلّاً، ومن مواقفه:

إنه كان في مكة ذات يوم راكباً التاكسي فأراد السائق أن يتعرف عليه فسأله عن اسمه ولم يكن يعرف الشيخ، فقال: محمد بن عثيمين، فرد السائق: تشرفنا، وأنا معك عبد العزيز بن باز - هنا ضحك الشيخ، وقال له: ابن باز أعمى كيف يسوق التاكسي؟ فرد السائق: وابن عثيمين في القصيم ما الذي جاء به إلى هنا.

ومن مواقفه أيضاً: إنه كان يوماً يتكلم في أبواب النكاح، فسأله أحدهم: إذا تزوجت ثم وجدت زوجتي ليس لها أسنان، فهل هذا عيب يبيح لي طلب الفسخ؟ فضحك الشيخ وقال: هذه امرأة جيدة حتى لا تعضك.