خلال الأعوام القليلة الماضية، اطلعّنا على استراتيجيات وطنية للصناعة والاستثمار والنقل والخدمات اللوجستية، وكانت بحقّ طموحة ومتوافقة مع الرؤية السعودية، على سبيل المثال؛ وضعت استراتيجية النقل والخدمات اللوجستية مستهدف الوصول إلى طاقة استيعابية لموانئها تزيد على 40 مليون حاوية سنوياً، وشحن أكثر من 50 مليون طن سنوياً من خلال طريق الجسر البري الذي يربط شرق المملكة بغربها، كما أن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في ركيزتها الأولى، وضعت مبادرة إطلاق برنامج لجذب سلاسل الإمداد، ومبادرة "استثمر في السعودية" تُعنى بكافة الفرص الاستثمارية في السعودية، وإطلاق من أربع إلى خمس مناطق اقتصادية خاصة، بالإضافة إلى حزمة شاملة وتنافسية من الحوافز المالية والإعفاءات التنظيمية، ودراسة ورصد فرص توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة مع التكتلات التجارية المُهمة، بينما استهدفت الاستراتيجية الوطنية للصناعة نحو 36,000 مصنع بحلول عام 2035، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية، لتصل إلى 557 مليار ريال، كما كان هناك حديث في العام 2019 عن استراتيجية وطنية للتصدير، واستراتيجية وطنية للتجارة الخارجية في العام 2021.

ليس هناك أدنى شك، في أهمية وجود استراتيجية وطنية للتجارة الخارجية، خصوصاً بعد إنشاء الهيئة العامة للتجارة الخارجية في الأول من يناير من عام 2019م، باستقلال مالي وإداري لتعزيز مكاسب المملكة التجارية الدولية، والدفاع عن مصالحها، بما يُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني، وتُعنى بكافة المهام والأعمال المتعلقة بوضع السياسات والاستراتيجيات للتجارة الخارجية، إن وجود استراتيجية وطنية للتجارة الخارجية، يُعتبر محورياً وركيزة أساسية في كافة الاستراتيجيات الوطنية ذات العلاقة.

اقترح أن تأخذ هذه الاستراتيجية بالحُسبان، دراسة وتحليل الانضمام للتكتلات الاقتصادية مُتعددة الأطراف، تحديداً منظمة التجارة العالمية، وكيف للسعودية تعظيم الاستفادة منها وتعزيز حضورها، فالانضمام كانت مرحلة صعبة، ولكن الأصعب في هذا النادي، هو اللعب مع الكبار، في صياغة السياسات والتوجهات التجارية بما يخدم الاقتصادي الوطني أولاً، ثم التكتلات الخليجية والعربية، كذلك مراعاة الأولويات عند التفاوض في اتفاقيات التجارة الحُرة الثنائية، والاتفاقيات التفضيلية للدول النامية، وتحديد مستهدفات التبادل التجاري مع العالم بما يُحقق مستهدفات الرؤية، إضافة إلى ذلك، تحديد القطاعات المستهدفة بالتصدير والاستيراد وإعادة التصدير.

كما اقترح، أن تشمل الاستراتيجية، دارسة تحليلية لأسواق التصدير، وتعريف المزايا النسبية والتنافسية للسلع والخدمات المُستهدفة التصدير وتقليل العوائق التي تعترضها، ووضع خارطة طريق وأجندة مُحددة لخفض العوائق الجمركية وغير الجمركية، وإدارة المخاطر لبيئة التصدير الدولية بسبب ما يعتريها من تقلبات سياسية، وعدم استقرار أسعار العملات، وما تواجهه سلاسل الإمداد الدولية.

ولعل من الأمثلة الجيدة لاستراتيجيات التجارة الخارجية، ما قامت به الصين الموجهة نحو التصدير في أواخر السبعينات، واستراتيجية "المنصة المتوسطة" الألمانية حيث نجحت الشركات الصغيرة والمتوسطة بسبب تخصصها في المنتجات عالية الجودة والتقنيات المُبتكرة، كذلك تجربة كوريا الجنوبية في الستينات والسبعينات حيث استهدفت تطوير صناعة الالكترونيات والسفن وشركة سامسونج وهونداي أفضل الأمثلة.

في نظري، استراتيجية التجارة الخارجية، هيّ البوصلة، وحجز الزاوية، للاستراتيجيات الوطنية، فالصناعات المُتعددة ستبحث عن منافذ تصدير للأسواق الدولية، وبُنية النقل والخدمات اللوجستية المُميزة، ستصبح عديمة الجدوى دون استراتيجية وتشريعات وسياسات وإجراءات تُحفز المُصدرين المحليين والدوليين، خصوصاً في وجود بيئة إقليمية تنافسية عالية، كما تجدر الإشارة بالتنسيق التام والدائم بين جهات تنفيذية مثل الهيئة العامة للغذاء والدواء، والهيئة العامة للزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، ختاماً إن تسهيل حركة التبادل التجاري دون المُجازفة بتقديم تنازلات تُضر بالصناعات المحلية، يعتبر الفيصل في نجاح الإستراتيجية من عدمها.