-1-

لم تعد التحديات ذات الصلة بالتغير المناخي والبيئة والاحتباس الحراري المناخية، وهي التحديات التي تشكل محور اهتمام العالم اليوم، موضوعًا يخص المستقبل، بل هي تحديات حاضرة معنا اليوم، واصبحت ملموسة للجميع، وارتفاع حرارة الطقس على النحو الذي شهدناه ليست إلا بداية، أو معاينة مبكرة لما ينتظر البشرية في العقود المقبلة، والعالم اليوم يشهد نموًا في وتيرة موجات الحر ومدتها وشدتها وتداعياتها، وهناك من ذهب الى القول ان العالم يتجه للتحول الى فرن عملاق، وان الوضع يقترب من نقطة اللاعودة، وان المعاهدات والاتفاقيات الدولية للحد من التلوث ومن انبعاثات الغازات لم تأخذ حتى الآن مداها كما يجب بسبب الانقسامات والاختلافات والمصالح المتعلقة بمعالجة قضايا المناخ، وقد وجدنا خلال الأيام الماضية كيف تصاعدت التحذيرات من السيناريوهات الكارثية للتغيرات المناخية، وجاءت مراكز ابحاث ومؤسسات دولية لتحذر من الكلفة الباهظة لهذه التغيرات حين اعلنت بان الاقتصاد العالمي سوف يتكبّد خسائر تقدر بنحو 23 تريليون دولار بحلول 2050 جراء الاحتباس الحراري.

قبل ذلك وجدنا الأمم المتحدة عبر تصريح للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية تدق ناقوس الخطر وتحذر وتدعو العالم الى الاستعداد لدرجات حرارة قصوى من حيث التواتر والمدة والشدة قد تصل الى مستويات خانقة على مستوى العالم، من دون ان يلوح في الأفق اي مؤشر على ان هذا المنحى من الحر سيتراجع، كما وجدنا مدير عام منظمة الصحة العالمية يعلن أن موجات الحر التي تعاني منها دول العالم، وهي حتى الآن الأشد في تاريخ الدول الأوربية ما هي الا البداية، وان موجات الحر القادمة ستصل الى درجات قياسية بشكل يهدد البشرية جمعاء، ووصف رئيس وحدة الطوارئ الصحية لدى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر موجة الحر الحالية بأنها حالة طوارئ غير مرئية، وبالاضافة الى ذلك، وجدنا من يعلن أن هناك 60 الف حالة وفاة اضافية سجلت في اوروبا هذا الصيف بسبب الحرارة الشديدة مقارنة بالصيف الماضي، وقيل ان هناك عهدًا يشارف على النهاية بالنسبة لمقاصد سياحية اوروبية عديدة، وبادر عدد من الخبراء واهل الاختصاص الى التحذير من زيادة درجة حرارة جوف الأرض مقارنة بالسطح لأكثر من 20 درجة مئوية، ما يهدد بنى تحتية في العديد من الدول خلال عقد من الزمن، وقالوا إن ملامح ذلك تجلت بسقوط مبانٍ وجسور، وفيضانات، وموجات جفاف وحرائق غابات.

تعالوا نتوقف امام ما يخص دول الخليج، فقد اشارت دراسات وتقارير عالمية منشورة الى انه في عام 2060 سوف تستحيل الحياة في بعض مدن منطقة الخليج وبعض مدن الشرق الأوسط، وان هذه المدن ستخلو تمامًا من سكانها، والسبب ان درجات الحرارة في الظل يتوقع ان تصل الى 60 درجة مئوية - نكرر في الظل -، ما يهدد الحياة البشرية والنباتية والحيوانية..!

أمر مهم آخر يمكن ان يضاف الى تلك التحديات المهمة والخطيرة، وهو ما بينته دراسة مشتركة أجرتها جامعتا برنستون وبيركلي الأمريكيتان والتي من بين اهم نتائجها وجود رابط قوي بين ارتفاع درجات الحرارة وتزايد احتمالات اندلاع حروب وصراعات في العالم، كما بينت وجود علاقة مباشرة بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مستوى السلوك العدواني او الميل نحو استخدام العنف حين يصبح الانسان مزاجيًا واقل قدرة على السيطرة على نفسه، وفي نفس الاتجاه صدرت من اكثر من مصدر تحذيرات من انخفاض الانتاج الاقتصادي ومن المخاطر الصحية المتفاقمة، وفي المجمل تأثيرات خطيرة للغاية على صحة الانسان وسبل عيشه.

لا نعلم بالنسبة لنا كيف سيكون وضعنا مع الحر، ومع مجمل المتغيرات والتحديات المناخية والبيئية، ولكن الذي نعلمه اننا بحاجة الى حوار وطني يترجم الاهتمام والجدية في بحث المطلوب واللازم لمواجهة هذه المتغيرات والتحديات، حوار يحقق الشراكة المجتمعية من زاوية انها شراكة استراتيجية فيما بين الجهات الحكومية، والسلطة التشريعية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى ومؤسساته، شراكة تتبنى المبادرات والمشاريع المطلوبة، وتخلق الوعي اللازم بكل التحديات المناخية، وترتقي بطموحات البحرين عبر اتخاذ خطوات ملموسة تحقق الحياد المناخي.

-2-

جاء الاعلان مؤخرًا عن تأسيس عدد من اصحاب الأعمال البحرينيين المعروفين لجمعية جديدة محددة الأهداف وهي «مساعدة الأسر المتعففة وذوي الدخل المحدود، وتقديم المساعدة المالية للطلبة المحتاجين، ومساعدة الأسر المحتاجة لبناء منازل وترميمها حسب الامكانات المتاحة، وتشجيع روح التكافل والتواصل بين افراد المجتمع»، ليعيد التذكير بواقع مؤسسات مجتمعنا المدني، او منظومة العمل الأهلي التطوعي، من جمعيات واتحادات ونقابات وتعاونيات ومؤسسات ومراكز، واذا كنا نتمنى بأن تكون الجمعية الوليدة مختلفة وفاعلة وان تحقق اهدافها على خير وجه، وان تعرف بالتحديد ما يمكن ان يكون عليه العمل الصحيح والشفاف في تحقيق تلك الأهداف..

نتمنى ذلك وفي الوقت ذاته نتمنى اي قرار او مبادرة او خطوة او مشروع ينهض بواقع هذه المؤسسات، وهو الواقع الذي بات مؤسفًا بكل معنى الكلمة، الى درجة وكما قلنا سابقًا جعل الكثير من هذه المؤسسات في حالة خمول، بل حية رسميًا وميتة سريريًا، ليس الغاية من هذا الكلام الدخول في التفاصيل والأسباب المؤدية لهذا الوضع البائس فقد تحدثنا عنه اكثر من مرة، كما تناوله الكثيرون في ندوات ولقاءات ومجالس، الوضع معروف والمعروف لا يعرّف، ولا يحتاج الى تأكيد المؤكد، وكم هو بالغ الأسف والأسى ان هذا الوضع لم يُحرك حتى هذه اللحظة من يفترض انه معني او ان الأمر يهمه او في نطاق مسؤولياته، لا مسؤولين، ولا نواب، ولا غيرهم..!

دعونا نتوقف امام بعض التجارب التي حاولت ان تدفع بجهود مؤسسات المجتمع المدني وتعمل على ما يحقق فاعلية واستدامة العمل التنموى الأهلي، وهذه المرة امام ما اعلن عنه في مصر وهو التحالف الوطني للعمل الأهلي، ورغم التباين في الظروف والامكانات والرؤى بين الجمعيات المنضوية تحت مظلة هذا الاتحاد فإن الفكرة الأساسية التي اعلن عنها من وراء هذا الاتحاد ليس مجرد اعطاء مساعدة او معونة، ولكن تحقيق التكامل الفعال عبر رؤية واضحة وفكر تنموي للقضاء على الفقر وتحقيق الرعاية الاجتماعية المثلى وتمكين كل جمعية ومؤسسة من تحقيق الأهداف التي تنشدها.

التحالف المذكور انطلق في شهر مارس 2022 بمشاركة وعضوية كبرى مؤسسات العمل الأهلي والتنموي في مصر، ضم 24 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانات تقدم خدمات تنموية، منهم الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادًا اقليميًا، وكلها تعمل في مختلف مجالات العمل التنموي من خدمية وصحية وتوعوية وتعليمية وعمرانية وغيرها، والأهم ان هذا التحالف محكوم برؤية تنموية وتطوير العمل الأهلي واستدامة العمل التنموي، وهذه هي احد اهم اهداف هذا التحالف.

لا نعلم ونحن نتابع ذلك ماذا كان بمقدور المنخرطين في قيادة مؤسسات مجتمعنا المدني والتنموي وحتى المسؤولين عنه ان يدفعوا باتجاه تأسيس مثل ذلك التحالف المصري او شبيه منه، او النظر في التجارب الاخرى المتقدمة على صعيد حيوية دور مؤسسات المجتمع المدني، ليس طموحنا ذلك الآن، المطلوب قبل ذلك النظر في اوضاع مؤسسات مجتمعنا المدني، واصلاح حال المتعثر منها او المغيّب دورها، واتحاد الجمعيات التعاونية مثال، وتمكين هذه المؤسسات من الوقوف على قدميها كما يجب، يكفي القول انه من المعيب ان يظل الحال على ما هو عليه الآن..!

-3-

نتابع باهتمام الجهود والخطوات المبذولة من جانب بعض دول الخليج تجاه ملف توطين الأعمال والوظائف، اهم ما يمكن تلمسه في هذ الشأن هو الجدية والحزم وتجاهل اي اعتبارات او مصالح خاصة تعرقل مسار هذا التوطين.. والأهم أن هناك من يضع النقاط على الحروف بمنتهى الجرأة والوضوح والدقة في الارقام والبيانات والاجراءات..

الجديد في هذا الخصوص - مثالاً ليس الا - ما كشفت عنه خلال الايام الماضية وزارة الموارد البشرية والتوطين الامارتية، واقتران اسم هذه الوزارة بالتوطين امر في حد ذاته يحمل مغزى ويعكس جدية حيال الهدف المذكور الذي اعتبرته الوزارة اولوية وطنية، هذه الوزارة كشفت عن ضبط 441 منشأة مخالفة لقرار التوطين في القطاع الخاص في العام الماضي، وحددت طبيعة هذه المخالفات واهمها انها قامت بتعيين مواطنين بشكل صوري، وتحايلت على مستهدفات التوطين، واوقفت الانتفاع المالي الذي يقدمه برنامج «نافس» للمواطنين المعينين صوريًا وتتخذ اجراءات استرداد المبالغ المنتفعة، ووجدناها وهي تؤكد على هدفها وهو ايجاد وظائف حقيقية للمواطنين وليست صورية، داعية المواطنين والمجتمع بشكل عام إلى الابلاغ عن اي مخالفات متعلقة بسياسات التوطين. للإحاطة والعلم برنامج «نافس» وهو برنامج استحدثته حكومة دولة الامارات العربية المتحدة تضمن 13 مشروعًا وهدفه رفع الكفاءة التنافسية لدى المواطنين وتمكينهم وبكل حزم وجدية ليشغلوا مختلف الوظائف في مؤسسات القطاع الخاص و«خلق جيل جديد من الكفاءات الوطنية»..

يا ترى، هل يمكن ان نشهد مثل تلك الجدية، ومثل تلك الخطوات الفعلية للتوطين في الامارات،

والتعمين في سلطنة عمان، والسعودة في السعودية وان نمضي مثلهم بعزم وجدية ودون التباس أو عائق في الدفع بعملية «البحرنة» في الاتجاه الصحيح والمنتظر والمطلوب واللازم؟

نريد، نطمح، نتمنى مثل تلك الجدية او حتى شيئًا منها، فهمتم، حاولوا، المهم ان ينتهي الأمر إلى حلحلة ملف تشغيل المواطنين والمضي به الاتجاه الصحيح ولا يبقى مكانًا لعوائق ومعوّقين يجعلون هذا الملف يراوح في مكانه..!