وسيم منصوري نائب حاكم مصرف لبنان بالوكالة، على من يضحك؟!

يعتقد هذا الرجل أن بإمكانه استغباء الناس كما استغباهم رياض سلامة عبر ثلاثة عقود. قد لا يكون منصوري "نسخة طبق الأصل" عن رياض سلامة، لكن ما قاله بعد تسلمه مهامه الجديدة، يشكل إدانة للحاكم السابق، وإدانة لمنصوري نفسه، ولزملائه نواب الحاكم الآخرين.
قال إنه لم يكن راضيا عن سياسة تمويل الحكومة التي انتهجها سلامة، وأنه حذره غير مرة من مخاطرها، وأعلن قائلاً: "لا مخالفة للقوانين بعد اليوم، ولا توقيع على صرف دولار واحد من الاحتياطات خلافا للقناعة والقوانين"، كلام يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام مصرف مركزي، أم مكتب صيرفة وتدقيق حسابات!
لماذا لم يرفع منصوري صوته عاليا يوم كان سلامة القصير النظر يعبث بالمال العام، ويقرضه للدولة، علماُ أنه، أي منصوري، كان يعرف، ونواب الحاكم الآخرون كانوا يعرفون، أن الدولة التي تسيطر عليها العصابات الطائفية ويمدّها سلامة بالمال، قد لا تعيد هذا المال إلى المصرف المركزي، فلماذا لم يستقل منصوري في حينه؟!
نعرف، ويعرف منصوري أنه ليس مستقلا ولن يكون، وما كان بإمكانه رفع صوته، خوفا من "الزعيم" السياسي الذي كان وراء تعيينه في منصبه، وهو أحد المستفيدين الكبار من رياض سلامة، وهندساته المالية! منصوري وزملاؤه، نواب الحاكم، شركاء في جرائم رياض سلامة. هؤلاء سماسرة، ومن العبث أن يؤتمنوا على المال العام. يكفي التدقيق في أقوالهم وتصريحاتهم وتدابيرهم ليعرف المرء، مدى قلة خبرتهم، ومدى استهتارهم بحياة الناس، وبأموالهم التي أودعوها في البنوك، وأودعتها البنوك في المصرف المركزي على أساس من الثقة والائتمان.
نقلتني أخبار ما حدث ويحدث في مصرف لبنان المركزي، إلى تسعينات القرن الماضي. في تلك الفترة كنت أكتب مقالات اقتصادية في صحيفة "الحياة" اللندنية، ومن تلك "مقابلة" كنت أجريتها مع السير إدوارد جورج، حاكم بنك إنكلترا المركزي في مكتبه في حي المال في لندن، وكان الحديث يومها عن "بنك الاعتماد والتجارة الدولي" الذي كان قد انهار، وأثر ذيول انهياره على النظام المصرفي في إنكلترا. شعرت وأنا مع ذلك الحاكم، أنني أمام اقتصادي عريق، وأشبه بحكيم وفيلسوف. كل جملة تفّوه بها كانت تقطر كلاماً موزوناً، وذكاء ودقة ووعيا، فمسؤولية حاكم بنك إنكلترا جسيمة، يعينه وزير المال، ويوافق عليه رئيس الوزراء والملك، لأن صورة الملك مطبوعة على ورقة النقد الإنكليزية (الجنيه الإسترليني)، وهذا يعني أن الحاكم، مسؤول أمام الملك، أو الملكة، وأمام الشعب وامام وزير المال، وأمام رئيس الوزراء... فاين نحن من هذا كله؟ وأين لبنان من هذا كله؟ وأين سلامة ومنصوري من هذا كله؟!
أي سياسة يُحكم عليها بالنتائج، ومهما حاول سلامة ومنصوري ونواب الحاكم الآخرون إيجاد أعذار للخطايا التي ارتكبوها، فنتائج سياساتهم التي أوصلت الوضع الاقتصادي اللبناني إلى ما هو عليه من الهزال تفرض مثولهم أمام المحاكم بتهمة العبث بأموال الناس، كما يفعل الأمير الجريء محمد بن سلمان في السعودية الجديدة. وللتذكير، إن ينفع التذكير، في تلك الفترة من التسعينات، كنت أجريت أيضا "مقابلة" مع رياض سلامة نشرتها في "الحياة"، وفيها تعهد الرجل بأنه سيكون مسؤولا عن المال العام، ولن يكون محسوبا على أحد من السياسيين، فلم يوفي بأي شيء مما تعهد به، والسبب أنه لم يكن يتصرف كحاكم مصرف مركزي مسؤول، مهمته مكافحة التضخم، والتعاون مع الحكومة في رسم السياسات العامة للوصول إلى التنمية المستدامة، والحفاظ على ودائع الناس والنظام المصرفي، ومراقبة احتياطات المصارف التجارية، والتأكد من عدم مخالفتها القوانين. كان يتصرف كرجل له طموحات سياسية، وخضع لإملاءات أصحاب المنافع والمصالح من التجار والسياسيين الفاسدين، وأيد إلى أبعد الحدود، سياسة الاستدانة التي خطها رفيق الحريري والقائمة على تثبيت سعر الصرف، وإغراء الناس والمصارف بالفوائد العالية، على حساب قطاعات الإنتاج. سياسة اعتمدها لبنان وكانت ضربا من الجنون، في وقت كانت أوضاع البلد السياسية في غاية التعقيد، على حدوده الجنوبية دولة تعاديه، وعلى أرضه جيش سوري، وآلاف الصواريخ الخارجة عن سلطة الدولة.
في وضع كهذا لا يبقى للمواطن العاقل إلا أن يتحسر، فبئس بلد يحكمه "زعماء" لصوص، وتدير مصرفه المركزي جماعة من السماسرة، وبئس شعب يعيد انتخاب "زعماء" هم علّته الكبرى، وسبب نكباته.